التفاسير

< >
عرض

وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٤٦
وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
٤٧
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤٨
-الأنفال

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ } [الأنفال: 46] ببذل الوجود في هويته.
{ وَرَسُولَهُ } [الأنفال: 46] فيما يقربكم إلى الله بأعماله وأحواله، فإن طاعته طاعة الله على الحقيقة على الحقيقة وطاعة رسوله فيما يتيسر للعبد خلاصه عن صفات الوجود بآثار الوجود، { وَلاَ تَنَازَعُواْ } [الأنفال: 46] مع الإخوان في الله والأقران، فإنه يثبت الأنانية ويحجب عن الهوية ويزل الإقدام في طلب المرام، { فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال: 46] عند الأعداء فتستولي النفس والشيطان، { وَٱصْبِرُوۤاْ } [الأنفال: 46] عند تنازع الأقران والأخوان على الدين والتواضع وخفض الجناح وترك الرعونة وإخفاء السر، { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [الأنفال: 46] الذين لا تنازع فيهم لحفظهم عن الرجوع إلى البشرية بالنصرة الربوبية.
{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم } [الأنفال: 47] أي: ديار أوصافهم، { بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } [الأنفال: 47] يعني: إذا كان الله معكم عند صبركم معيناً لكم على الاستقامة، فلا تكونوا كالذين خرجوا من الدنيا وزينتها وتركوا أوطانهم وتزييوا بزي القوم تصنعاً وشرفاً في الإرادة، وما خرجوا عن أطوارهم ودواعي نفوسهم وداروا البلاد وزاروا العباد، وتفرحوا ليتباهوا بذلك على الإخوان ويتنافسوا مع الأقران، { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 47] الطالبين الصادقين بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم، { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [الأنفال: 47] أي: بما يعملون مهلكهم يعني: إنما يهلكون بما يعملون.
ثم أخبر عن أحوال أهل التنازع، فقال تعالى: { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ } [الأنفال: 48] حين ظفر بهم عند التنازع، { أَعْمَالَهُمْ } [الأنفال: 48] التي بها تنازعوا واختلفوا وتفاخروا.
{ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [الأنفال: 48] أي: النفس والهوى والدنيا والشيطان فغرهم بذلك، قال: { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } [الأنفال: 48] أي: مجيركم من آفة الرياء والعجب، وذلك أن الشيطان إذا ظفر بالسالك يغره بالقوة والكمال والبلوغ إلى مرتبة الرجال أنه لا يضره التصرف في الدنيا وارتكاب بعض المنهيات؛ بل يضعه في نفي الرياء إذ هو طريق أصل الملامة وبه ليسلك سبيل السلام.
{ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ } [الأنفال: 48] فئة الأرواح والقلوب، وفئة النفوس وصفاتها وهواها والدنيا وشهواتها، وأمد الله تعالى فئة القلوب والأرواح بالأوصاف الملكية والواردات الربانية، وانهزمت النفوس وعساكرها، وزهقت أباطليهم بمجيء الحق، { نَكَصَ } [الأنفال: 48] الشيطان.
{ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [الأنفال: 48] فيه إشارة إلى أن الشيطان عند استيلاء النفس وغلبات أوصافها وهواها يزين الدنيا وشهواتها وزخارفها للنفوس، ويعينها على طلبها واستيفاء لذاتها؛ ليضلها عن سبيل الله، فلمَّا استولت القلوب والأرواح على النفوس، وانقادت النفوس لحزب الله انكسرت أوصافها وهواها، واطمأنت بذكر الله وطاعته يكون الشيطان مخالفاً لها بعد أن كان موافقاً ومحباً ومعاوناً لها، فيفر منها ويتبرأ منها، كما قال تعالى: { وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } [الأنفال: 48] فلا يبقى له مدخل يدخل بها في النفوس ويوسوسها؛ لأنه يرى بنظر الروحاني على النفوس من القلوب أنوار الرباني ولو وقع على الشيطان منها تلألؤ يحرقه في الحال ولهذا قال: { إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الأنفال: 48] وقد صدق الكذوب أنه يخاف من شدة عقاب الله تعالى، فإن عقابه وومضان بروق صفة قهره لو وقع عليه لتلاشى، ولذلك كان من يفر من ظل عمر و"ما سلك عمر رضي الله عنه فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً آخر"؛ لئلا يقع عليه عكس نور ولاية عمر رضي الله عنه فيحرقه، وقد علم الشيطان أنه من العذبين المعاقبين، وإنما خوفه من الله من شدة عقابه؛ لأنه يعلم أن لا نهاية لشدة عقابه والله قادر على أن يعاقبه بعقوبة أشد من الأخرى، وفيه إشارة أخرى إلى أن خوفه من الله تعالى يدل على أنه غير منقطع الرجاء، والله أعلم.