التفاسير

< >
عرض

خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ
٢٦
وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ
٢٧
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ
٢٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ
٢٩
وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ
٣٠
وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ
٣١
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ
٣٢
وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ
٣٣
فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ
٣٤
عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ
٣٥
هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
-المطففين

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ خِتَامُهُ مِسْكٌ } [المطففين: 26]؛ يعني: مختوم بطين خمَّره بيده وقت التخمير، وتكون طينته من عرف المعرفة مسكاً وفي المسك والكافور الذي يذكرهما الله تعالى في كتابه تعلق بحد القرآن.
{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } [المطففين: 26]؛ يعني: من الاطلاع على سر الرحيق الحبّي، والطيني المسكي، والأرض الكافورية فليرغب الراغبون من أخص الخواص من السابقين ويضن على إفشاء سره لنفاسته وعلو مثاله، فتحل الفتنة { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } [المطففين: 27]؛ يعني: مزج الحب بالطين وبعبارة أخرى؛ يعني: مزجوا رحيقهم بسنيم الريق؛ أي: ريق الساقي وهذا مخصوص بالمقربين من الأنبياء والصديقين، { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } [المطففين: 28]؛ وهي عين المعاينة تنبع من وجه المشايخ، يشرب بها المقربون خاصة وهي مما قال الله تعالى:
{ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17]، { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } [المطففين: 29]؛ يعني: القوى المجرمة { كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } [المطففين: 29] في دار الدنيا، ويقولون: هؤلاء مساكين تركوا هذا النعيم المعين النقد لخيالاتهم الفاسدة ويتبعون أنفسهم ويستهزءون بعقولهم، { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } [المطففين: 30]؛ يعني: يشير بعضهم إلى بعض استهزاء بهم وبما كانوا مشتغلين بالعبادة والمجاهدة وترك المشتهيات النفسية والهووتية، { وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ } [المطففين: 31]؛ أي: إلى قوى قالبهم ونفسهم { ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ } [المطففين: 31]؛ أي متعجبين من أحوالهم، ضاحكين من أفعالهم، { وَإِذَا رَأَوْهُمْ } [المطففين: 32]؛ أي: إذا رأوا القوى اللطيفة { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ } [المطففين: 32]؛ يعني: ضلوا الطريق الواضح واللذة العاجلة، ويتبعون النفس بخيال: أن لهم بعد هذه الدار دار ينعمون فيها أبد الدهر، { وَمَآ أُرْسِلُواْ } [المطففين: 33]؛ يعني: القوى المجرمة { عَلَيْهِمْ } [المطففين: 33]؛ أي: على القوى المطيعة { حَافِظِينَ } [المطففين: 33] لأعمالهم وأحوالهم ولكنهم أرادوا أن يستوفوا القوى المطيعة لأهوائهم، فلما عصت القوى المطيعة لأمرهم وطاوعت أمر ربهم حسدوا عليهم وضحكوا منهم وآذوهم.
{ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [المطففين: 34]؛ يعني: يوم خروجهم من الدنيا ودخولهم في دار الآخرة يضحكون من الكفار بتجهيزهم في النار، وبخسرهم على أنفسهم فيما أضاعوا الاستعداد الذي به يمكن حصول النعيم المقيم، والمؤمنون { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } [المطففين: 35] إلى الكفار بعين العبرة { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [المطففين: 36]؛ يعني: هل جزء استهزائهم بالمؤمنين إلا هزاء، فعليك يا سالك الطريقة أن تستهزئ بالقوى المجرمة، وشاهد نعمك لتعمل بالنعيم المقيم عملاً صالحاً؛ ليكون غداً من المقربين الشاربين رحيق المحبة الممزوجة بنسيم ريق الساقي إن شاء الله تعالى.
اللهم اسقني من كأس محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا أظمأ بعدها أبداً.