التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ
١
وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ
٢
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
٣
قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ
٥
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ
٦
وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ
٧
وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
٨
ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ
١٠
-البروج

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

سورة يا شاهد شاهد الحق، ويا شهود مشهودك، ويا مشهود شاهدك تبين لك في اليوم الموعود، وحقيقة الشاهد والمشهود، واعلم أن الله تعالى خلق لوح العقل وكتب عليه كل شيء أراد إظهاره في الوقت المقدر والأجل المعلوم المعين؛ وهو أول خلق خلقه في مقام القلبية وجعل له مظهراً في العالم الجسماني؛ وهو سماء الدنيا التي زينها الله بمصابيح النجوم والبروج، ورتب عليها أمور عالم الكون الفاسد الذي هو المسمى بالدنيا؛ وهي سماء صدرك في عالم الأنفس وأقسم بها في كتابه وقال: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [البروج: 1]؛ أي: بحق الوديعة التي أودعت في قابليتها بصفة ربوبيتي، { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } [البروج: 2]؛ أي: بالسر الذي أظهره في اليوم الموعود، وهو إذا دخل نجوم كل برزخ آخر وتتبدل الأشكال التي أظهرناها على ذلك الثوب الذي سميته ذات البروج والسماء الدنيا، فبعد التبديل يظهر السر الذي أودعه الله في اليوم الموعود وهو يوم القيامة.
{ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } [البروج: 3]؛ أي: بحق اللطيفة الكاملة الأنانية المستحقة المرائية، والعكس الذي ظهر في المرآة من جمال الشاهد، فالمرآة مشهودة لجمال الشاهد، والشاهد هو الله، والمشهود مرآة، فإذا صارت المرآة واحدة عكس الجمال تصير مشاهدة والجمال يكون مشهوداً وهذا سر مخصوص بمرآة بني آدم، ولأجل هذا صار أشرف الخلائق وأكرمهم عند خالقه حتى أمر الملائكة بسجوده، وفي تحقيقه أسرار تتعلق بحد القرآن ولا رخصة في إظهارها إلا في بسم الله الرحمن الرحيم، فإني مرخص أن أبين حده ومأذون في بيان مطلع النقطة الواقعة تحت الباء التي في أول البسملة، فإن ساعدني القدر وأخرني الأجل كتبتُ بعد الفراغ في تفسير بطن القرآن حد البسملة ومطلع نقطة الباء إن شاء الله تعالى.
{ قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ * ٱلنَّارِ } [البروج: 4-5] جواب القسم؛ يعني: أن أصحاب اللطيفة النفسية المكذبة للطيفتها، المنذرة الداعية إلى ربهم، والمنكرة لها بعد اطلاعها على الآيات البينات الأنفسية الملكوتية، لعنوا وطردوا وأُبعدوا من رحمة الله تعالى بإنكارهم الآيات البينات وتكذيبهم اللطيفة في دعوتها لهم إلى خالق السماوات، الذين اشتعلوا بنيران الغضب والبغض في أخاديد وجودهم؛ ليحرقوا اللطيفة الداعية لهم إلى الحق فتخرج النار الموقدة من شفير أخاديدهم عناصر وأحرقتهم كقوله تعالى: { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } [البروج: 5]؛ وهي بدل الأخدود.
{ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } [البروج: 6]؛ يعني: أصحاب الأخدود كانوا على شفير أخاديد لهم قاعدين لتعذيبهم اللطيفة الداعية والقوى المؤمنة بها، { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } [البروج: 7]؛ يعني: النفس الأمارة وقواها الكافرة كانوا حاضرين فلما شاهدوا خروج النار من شفير الأخدود، وإحراق الكافرين ونجاة المؤمنين منها، ندموا وما نفعهم الندم بعد نزول البلاء وظهور الآيات، { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ * ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [البروج: 8-9]؛ يعني: ما كرهوا الإيمان وما عابوا المؤمنين وما تبينوا إلا أن يؤمنوا بالله الغالب على أمره { ٱلْحَمِيدِ } المحمود بكل موجود عين لسانه، الذي يسبح به خالقه { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }؛ يعني: بحكمة النار والريح أمر الريح؛ ليخرج النار من قعر الأخدود وإحراق الكافرين الذين كانوا على شفير الأخدود، وأنجى المؤمنين الذين كانوا في قعر الأخدود، { وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }؛ يعني: حاضراً معهم شاهداً لأحوالهم، ماكرا بالذين مكروا بالمؤمنين.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [البروج: 10]؛ أي: عذبوا وأرادوا أن يحرقوهم { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } [البروج: 10] ولهم؛ أي: عذاب الأجل يكفرهم وإصرارهم على الكفر بعد اطلاعهم على الآيات البينات { وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } [البروج: 10]؛ أي: العذاب الأجل بنصرة عدوهم عليهم؛ وتسلط القوى المؤمنة على القوى الكافرة، وتذليلهم وأسرهم.