التفاسير

< >
عرض

سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ
١٠
وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى
١١
ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ
١٢
ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا
١٣
قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ
١٤
وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ
١٥
بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
١٦
وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ
١٧
إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ
١٨
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ
١٩
-الأعلى

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } [الأعلى: 10] سوف ينفع الذين يخشون من ربهم من القوى المستعدة الغير الملطخة بتراب الطبيعة [المدساء] في الطين اللازب، { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } [الأعلى: 11-12] فكل من كان من الأشقياء الذين أصليناهم في النار الكبرى التي بها استكبر وأبى أمر الرحمن ويتجنبون عن الموعظة والذكر؛ لأنهم لا يموتون في تلك النار بألا يكون لهم خبر من عذابها، ولا يحيون بأن يكون لهم من الحياة لذة؛ بل لا يموتون من الطريق الجسماني يأكلون ويتمتعون ولكن ليس لهم حقانية حقيقة روحانية.
{ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } [الأعلى: 13] حياة تنفع؛ ليبصروا الحق ويسمعوا كلام الحق وينتفعوا بموعظة اللطيفة، { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [الأعلى: 14]؛ أي: كل لطيفة اشتغلت بتزكية القوى القالبية والنفسية أفلحت؛ لأنها ذكرت اسم الرب فصلت وتوجهت إليه كما قال في كتابه: { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } [الأعلى: 15] والأشقى الذين لا هم أموات ولا أحياء، آثروا عيش الدنيا على عيش الآخرة لأنهم كانوا أمواتا على عن القوى الأخروية، أحياء بالقوى الدنيوية كما قال تعالى: { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [الأعلى: 16-17]؛ لأنها دار البقاء خيرها لا ينفد وعيشها لا يفنى، والدنيا مرحلة الفناء عيشها عن قريب يفنى وتبعتها أبد الآباد تبقى.
{ إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [الأعلى: 18]؛ يعني: إن هذا الماء المكتوب في { صُحُفِ } [الأعلى: 19] القلب والسر { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ }[الأعلى: 19] فاجتهد أيها السالك لتقرأ صحفك، ولا يمكن لك القراءة حتى تعالج بصرك الذي أعماه سبيل محبة الدنيا وظفرة الهوى، فإذا عالجت البصر وصار صحيحاً تعلَّم علم القراءة من أستاذك لتقرأه من صحيفتك وتعرف حقيقة هذه الآيات فيك وتشتغل بالعمل بما أمرت به إن شاء الله تعالى.
اللهم اجعلنا قارئين صحفنا عاملين بما فيها بحق محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.