التفاسير

< >
عرض

سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ
١
ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ
٢
وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ
٣
وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ
٤
فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ
٥
سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ
٦
إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ
٧
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ
٨
فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ
٩
-الأعلى

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا مسبح سبح أولاً لجاري اسمه ربك اشتغل بذكر الله حتى يطهر لسانك عن الغيبة والكذب والفحش والنميمة وما شاكلها، يستحق أن يكون مسبحاً لله ولا يمكن حصول تطهير اللسان إلا باسم الرب فلأجل هذا قال في كتابه: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1] [من أن] يجري على لسان ملوث، والاسم الأعلى هو الله، والذكر الأفضل لا إله إلا الله ولأجل هذا السر اختار المشايخ الذين عرفوا الطريق على وجه التحقيق وهم طبقة أستاذ الطريقة الجنيد البغدادي - قدس سره - للسالكين الذين دخلوا في الطريقة، وجاهدوا في تطهير القلب؛ لينزل سلطان ذكر الرب فيه لا إله إلا الله، وإذا طهرت صورة الذكر صورة لسانك، وطهرت معاني الذكر حقيقة جنانك عرفت الرب وسبحته حق التسبيح، وعلمت أنه خلقك من العناصر الأربعة فسواك في أعدك الأمزجة ليصلح أن يكون مركباً للروح الإضافي، وقدر أقوات القوى الروحانية من نفحات ألطاف الرب، وأقوات القوى الجسمانية من التدبيرات السماوية النازلة إلى أرض القالب، وهدى كل قوة إلى قوتها المقدرة كما قال في كتابه: { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ * وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } [الأعلى: 2-4]؛ يعني: أخرج مرعى الروح من ثدي الخفي كما أخرج مرعى الجسم من ثدي البطن { فَجَعَلَهُ غُثَآءً } [الأعلى: 5]؛ أي: هشيما مذللاً للأطفال، ونور البصيرة في سواد الخفي، ولين المعرفة والتربية الجسمانية والروحانية { أَحْوَىٰ } [الأعلى: 5]؛ يعني: بحكمته جعل رأس الثديين أسود لأنه أودع نور البصر في سواد العين، ونور البصيرة في سواد الخفي، ولين المعرفة والتربية في الثديين المصبوغين بصبغ السواد الذي ليس بعده لون في تحقيق هذا السرع قرع باب حد القرآن.
{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6] يقول الله تعالى للطيفة الخفية: سنقرئك من بيان الحدود فلا تنسى حقيقة أبد الدهر { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [الأعلى: 7]؛ لأنه حكيم رحيم يعلم أن الأسرار التي هي مدرجة في الحدود لو تكشف على أحد يحترق العقل ويبطل نظام العالم السفلي، { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } [الأعلى: 7] إنه يعلم ظاهر القرآن وباطنه، ويعلم قوة ظاهرك وباطنك ومقدراً تحمله معاني الظهر والبطن، فعلى قدر ما تكون قوتك نقرأه عليك ويثبت في قلبك بحور ما لك طاقة في حملها.
{ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } [الأعلى: 8]؛ أي: نهون عليك حمل ما أثبت في لوحك وقرأته والعمل به، { فَذَكِّرْ } [الأعلى: 9] القوى القالبية والنفسية، والسرية والقلبية، والروحية والخفية، { إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } [الأعلى: 9]؛ يعني: إن كنت تذكر ما قرأت على لوحك فما عليك أن ينفع لهم الذكر أو لا ينفع وعليك الوعظ والإبلاغ.