التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦٠
وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦١
يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ
٦٢
أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ
٦٣
-التوبة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن مستحقي الصدقات ومصارفها وما فيها غير المولى ومستعدي المواهب وعوارفها بقوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ } [التوبة: 60] إما الصدقات هي صدقات الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم وليلة ولا ساعة إلا لله فيها صدقة يتصدق بها على من يشاء من عباده الفقراء، وهم الأغنياء بالله الفانون عنهم الباقون به" ، وهذا حقيقة قوله صلى الله عليه وسلم: "والفُقَرَاءُ الصُّبَّرُ هُمْ جُلسَاءُ اللهِ يوم القيامة" وهو سر ما قال الواسطي: الفقير لا يحتاج إلى الله؛ وذلك لأنه غني به، والشيء بالشيء لا يحتاج إليه.
{ وَٱلْمَسَاكِينِ } [التوبة: 60] وهم الذين لهم بقية أوصاف الوجود، فهم في سفينة بحر الطلب وقد خرقها خضر المحبة
{ وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [الكهف: 70].
{ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } [التوبة: 60] وهم أرباب الأعمال كما كان الفقراء والمساكين أصحاب الأحوال.
{ وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } [التوبة: 60] وهم الذين يتألفون قلوبهم بذكر الله إلى الله المتقربون إليه بالتباعد عما سواه.
{ وَفِي ٱلرِّقَابِ } [التوبة: 60] وهم المكاتبون قلوبهم عن رق الموجودات تحريّاً لعبودية موجدها والمكاتب عبد ما بقى عليه درهم، { وَٱلْغَارِمِينَ } [التوبة: 60] وهم الذين استقرضوا من مراتب المكونات أوصافها وطبعائها وخواصها وهم محبوسون في سجن الوجود بقروضهم وإنهم في استخلاص ذممهم عن القروض بردها، فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص من حبس الوجود، { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [التوبة: 60] وهم الغزاة المجاهدون في الجهاد الأكبر وهو الجهاد مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا.
{ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } [التوبة: 60] وهم المسافرون عن أوطان الطبيعة والبشرية السائرون إلى الله على أقدام الشريعة والطريقة بسفارة الأنبياء والأولياء، { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } [التوبة: 60] أي: هذا السير والجهاد ورد القرض والحرية عن رق الموجودات وتألف القلوب إلى الله واستعمال أعمال الشريعة، والتمسكن والافتقار إلى الله طلباً للاستغناء به أمر واجب على العباد من الله، وهذه الصدقات من المواهب الربانية والألطاف الإلهية للطالبين الصداقين أمر أوجبه الله تعالى في ذمة كرمه لهم كما قال تعالى:
"ألا من طلبني وجدني" .
{ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } [التوبة: 60] بطالبيه، { حَكِيمٌ } [التوبة: 60] فيما يعادونهم على الطلب للوجدان كما قال تعالى: "من تقرب إليّ شراً تقربت إليه ذراعاً" .
ثم أخبر عن المنافقين المؤذين بقوله تعالى: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } [التوبة: 61] إلى قوله: { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 63] يشير إلى أن من أمارات النفاق إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، ورؤية محامده بنظر المذمة والعيب كما قالوا: هو أذن يسمع ما يقال، عابوه به، وقد مدحه الله به فقال: { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } [التوبة: 61] يعني: سامعيه خير لكم؛ لأن له مقام السامعية، فيسمع لما أوحى الله إليه إمَّا بواسطة الملك، وإمَّا بغير الواسطة كما قال تعالى: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [النجم: 10] فيبلغكم رسالات ربه وزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة.
{ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } [التوبة: 61] أي: يكون إيمانه بشهود نور الله إيماناً غيباً بما نزل إليه من ربه بلا واسطة كما كان ليلة المعراج بقوله تعالى:
{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } [التوبة: 285] يعني: بلا واسطة إيماناً عينياً لا إيماناً غيبياً كما كان يؤمن بما أنزل به الروح الأمين على قلبه، { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [التوبة: 61] أي: فوائد إيمانه تعود إلى المؤمنين كما تعود إلى نفسه.
{ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } [التوبة: 61] يعني: النبي صلى الله عليه وسلم وهو صورة رحمة الحق لمن آمن منكم واهتدى بهداه، { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ } [التوبة: 61] بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة: 61] هو عذاب البعد والقطيعة؛ يعني: إيذاؤهم لرسول الله من نتائج عذاب البعد ولو كانوا أهل القرب لم ينتج منهم الإيذاء.
{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ } [التوبة: 62] يعني: لكم بالنفاق لا بالله بالإخلاص، { لِيُرْضُوكُمْ } [التوبة: 62] بالنفاق، { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62] يرضوه بالإخلاص، { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } [التوبة: 62] لأن من أمارات الإيمان طلب رضا الله ورسوله، { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [التوبة: 63] جهلاً وكفراً، { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } [التوبة: 63] لأنه لها وهي خلقت له، { خَالِداً فِيهَا } [التوبة: 63] وهي نار القطيعة، { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 63] يعني: الخلود في نار القطيعة من الله العظيم هو الخزي العظيم.