التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
ثم أخبر عن وعيد المنافقين بقوله تعالى: { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ } [التوبة: 68] إلى قوله: { يَظْلِمُونَ } [التوبة: 70]، { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ } في الأزل في قسمة { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } [الزخرف: 32] .
{ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } [التوبة: 68] وهي نار جهنم الحرص والحرمان؛ إذ لم يصيبهم رشاش نور الجمال بقوا في نار قهر العظمة والجلال، { هِيَ حَسْبُهُمْ } [التوبة: 68] إذ هي نصيبهم في تلك القسمة، { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } [التوبة: 68] وطردهم بسوط نفاقهم وكفرهم.
{ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [التوبة: 68] من البعد ونار القطيعة، { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } [التوبة: 69] بالاستعداد الفطري، { وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } [التوبة: 69] بالاعتداد وطلب الكمال، { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } [التوبة: 69] أي: فصرفوا الاستعداد والاعتداد في الانتفاع بالشهوات العاجلة دون الارتفاع في الدرجات الآجلة.
{ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ } [التوبة: 69] أي: رضيتم بنصيبكم من التمتعات الدنيوية والنفسانية، وضيعتم استعدادكم في قبول الفيض الإلهي الروحاني، { كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ } [التوبة: 69] كما رضيت الأمم الخالية بنصيبهم من الحظوظ النفسانية، وإضاعة حقوقهم الروحانية الربانية، { وَخُضْتُمْ } [التوبة: 69] في تحصيل الباطل وترك الحق ورضيتم بالخسران والحرمان، { كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [التوبة: 69] فيما لا يعنيهم وضيعوا ما يعنيهم.
{ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [التوبة: 69]؛ إذ كان حاصل تحصيلهم منها الوبال والحسرة والبعد والحجاب؛ إذ ما أورثتهم إلا عذاب القطيعة والحرمان عن جوار الرحمن واحتباس في النيران، { وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [التوبة: 69] في رأس مال العمر والاستعداد وما أعدهم الله من الاعتداد؛ لأنهم صرفوا في عبودية الهوى ومخالفة رضا المولى.
{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ } [التوبة: 70] ليعتبروا بها، { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } [التوبة: 70] ليهتدوا بها فتداركهم الشقاء واستقبلوهم بالإباء، فأدركهم البلاء وأهلكوا ولم ينفعهم الإباء، { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } [التوبة: 70] عن الاستعداد والاعتداد، { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [التوبة: 70] بصرف الاستعداد والاعتداد فيما أمرهم الهوى على خلاف أمر المولى فخسروا الآخرة والأولى.