يا طالب البلد الأمين، ويا قارئ الكتاب المبين، اعلم أن الله تعالى أقسم بهذا البلد وقال: {لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ} [البلد: 1-2]؛ أي: حرَّمنا هذا البلد على غيرك وأحللنا لك كل ما تفعل في بلد الوجود من قتل كفرة النفس ومشركها وأسر الهوى وسير قواها، {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 3]؛ أي: بحق اللطيفة الفاعلية ونتائجها؛ {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]؛ يعني: اللطيفة الإنسانية في مكابدة وشدة مع هؤلاء الأضداد المنفِّرة بالطبع [بعها] بعضها عن بعض، منه خلقناه {أَيَحْسَبُ} [البلد: 5] القوى الكافرة {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلد: 5] من هواها بقوتها واعتمادها على مكرها، {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} [البلد: 6]؛ يعني: أنفق قوتي في مشتهيات الهوى وأسلطها على اللطيفة؛ لتجلب خواطرها النفسية ورجل خاطرها القالبية ويمنعها عن التسليط على أهل البلد.
{أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد: 7]؛ أي: ما يكيد ويمكر؛ بل الله مطلع على جميع ما يخفي ويظهر، {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ} [البلد: 8-10]؛ يعني: ألم نجعل للإنسان هذه القوى؛ يعني: القوة الباصرة وقوة التكلم وزينة التيقن والقوة المميزة بين الخير والشر، أيظن أن لن ير كيده خالقه الذي هداه على تمييز الخاطرين.