التفاسير

< >
عرض

وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ
١
وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ
٢
وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
٤
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ
٥
وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٦
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ
٧
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
٨
وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٩
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
١٠
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
١١
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ
١٢
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ
١٣
فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ
١٤
-الليل

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا ساكن القالب الظلماني وطالب النور الروحاني، إن الله تعالى يقسم باللطيفة الجلالية المظهر بها ليل القالب، المظلمة بها نهار الروح لكمال قدرته وإظهار حكمته حيث يقول: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } [الليل: 1] وابتدأ بالليل في هذا المقام لأن ابتداء خلقك في عالم الشهادة تخمير طينة قالبك، وقيده بقوله: { إِذَا يَغْشَىٰ }؛ لأن ظلمة ليل القالب في البداية تغشى جميع الأسرار التي كانت في طي الطينة مستودعة، { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [الليل: 2]؛ يعني: بحق اللطيفة الجلالية التي أودعناها في النهار الروحاني تتنور بها ظلمة القلب، ويطلع السالك على الودائع المسكنة في قالبه وقت التخمير؛ وهي الأمانة التي أشار إليها حيث قال: { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } [الأحزاب: 72].
{ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [الليل: 3]؛ أي: بحق من خلق اللطائف الفاعلية والقالبية التي أودعناها في روحك وشخصك، { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [الليل: 4]؛ لتفاوت الاستعدادات التي تتعلق بالفاعلية القالبية مما جعلناه فيك، { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } [الليل: 5] جهده في طاعة الله وماله من القوى والاستعدادات للحق، { وَٱتَّقَىٰ } [الليل: 5] عن الباطل { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [الليل: 6]؛ أي: صدق ربه فيما أوحى على لسان سر نبيه إليه بوجود الجنة التي هي الثمرة، التي حصلت من الشجرة الطيبة الإنسانية بذرها الكلمة الروحانية { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } [الليل: 7]؛ أي: نيسره بالحقائق المودعة في اللطائف لعمل يوصله إلى يسر الأبد ويسار السرمد { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } [الباطل: 8] من القوى الحقانية التي أعطيناها له، واستغنى وجعل نفسه مستغنياً عن الأعمال بالقوى التي أعطيناها ليكتسب بها السعادات السرمدية { وَكَذَّبَ } [الليل: 9] الله ونبيه { بِٱلْحُسْنَىٰ } [الليل: 9] التي هي الباقية للعمى الحاصل له من خيار الهوى الصارف إياه عن المولى.
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } [الليل: 10]؛ أي: نيسره بتلك القوى ليبطل بها حقوقها في طلب ظوظه العاجلة، ويعسر عليه الاشتغال بما ينفعه في الآخرة بتوجهه إلى حظ نفسه وبطلان استعداده وقواه في استعمالها في غير حقه { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } [الليل: 11]؛ أي: يبطل استعداده وأخذ منه الآلة وأدواته وأهوي في هاوية هواه ما يغني عنه قواهم { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } [الليل: 12]؛ أي: نودع فيك اللطائف ونبين على لسان بشريتك ما كان في هداك { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ } [الليل: 13] فمن طلبها من غيرنا فقد أخطأ الطريقان أولاك اشتغالك بحظوظك العاجلة النفسانية الهووية الشهورية وأُخراك توجهك إلى الحقائق الباقية المودعة فيك أولاك وأُخراك، ولا يتخرج عنك ولا يطلب من غيرك؛ لأن الحق معك كما يقول تعالى:
{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4] لئلا تغلط وتضل وتزل عن الصراط المستقيم وتهوي إلى الجحيم.
{ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ } [الليل: 14]؛ أي: أخبرتكم بما أودعت فيكم وأنذرتكم بالنار التي هي كافية في حجر قابلكم معجونة بطينتكم تتلظى من اشتغالكم تلك النار بالشهوات الباطلة، وتبغي بعد خراب قالبكم وهي نار الحسرة