التفاسير

< >
عرض

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ
١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ
٢
لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
٣
تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
٤
سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ
٥
-القدر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا طالب ليلة القدر وشرح الصدر، اعلم أن الله تعالى يقول: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 1]؛ أي: النور الذي يحصل به انشراح الصدر؛ وهو الجمال المخصوص بسيد أهل الكمال المودع في ظل قالبه، الذي بذلك النور ما كان لقالبه ظل قابلة قالبه، كان ظل النور لا ظل الظلمة بخلاف القوالب؛ لأنها ظلال ظلمانية، فلما طلعت شمس الروح أظهر ظلال الظلمة وهذا سر عزيز يتعلق بحد القرآن، فأنت أيها السالك الطالب اجتهد في طلب ذلك الظل المودع فيه ذلك النور في اللطيفة القالبية المستخلصة عن الأباطيل، المتسكن فيها نور لطفيتك الخفية ليصل في ظلمة ليل قالبك إلى ظل اللطيفة المستودع فيها نور القدر، ونشاهد ذلك النور في لطيفتك المستحقة ليكون قالباً للطيفتك الخفية، وتصير صاحب القدر منشرح الصدر.
{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 2] التي هي ظلمات القالب مسكنة، { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر: 3] روحاني؛ لئلا يغتر بالأنوار الروحانية ويجهل أن يصل إلى ظلمات وصل إليها خضر لطيفتك الحيوانية، وشرب من ينبوعها ماء الحياة السرمدية، وما التفت إلى الجواهر النفيسة التي منعت ذي القرنين عن شراب ماء الحياة من منبعها.
وذو القرنين خاصيتا نفسك اللوامة؛ وهي العقل العملي والهوى العملي، وينبغي أن تخاف من هيبة سواد تلك الظلمة، وتلتجئ بالذكر القلبي وتلوذ بأذيال متابعة النبي، وتلتجئ إلى همة الشيخ الهادي المهدي؛ لتصل إلى الينبوع الذي ينبع منه ماء الحياة وتشرب منه بكأس الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتشاهد تنزل الملائكة قوى روحانيتك وروح قوتك الخفية القدسية، كما يقول تعالى: { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } [القدر: 4]؛ أي: في تلك الليلة شديدة السواد المهيبة، التي فيها المستكن نور القدر الخفي عن أعين لطائفك الملتهبة بالأباطيل الجبلية على بصائر لطائفك المستخصلة عن الأباطيل.
{ بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } [القدر: 4]؛ يعني: هذه القوى التي كانت وسائط من الأمر والمأمور، كما شرحناها في "بدائع الصنائع"، لا ينزلون إلا بإذن الرب على القلب الصافي عن كدورات الأضاليل، للسليم عن آفات الأباطيل، بخلاف الملائكة التي هي الحفظة؛ لأنهم ينزلون على الصافي والصالح، والباطل والفاسق، والضال والكتبة، ويتعلق بها الموت والحياة والرزق وغيره يسلَّمون على القلب السليم، السلام من الرب الكريم، الرب البر الرحيم؛ لأن تلك الليلة كلها سلام وخير حتى يطلع فجر النفس، كما يقول: { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } [القدر: 5].
اللهم ارفع قدرنا وذكرنا واشرح قلبنا وصدرنا بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم.