التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ
٧
جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ
٨
-البينة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [البينة: 7]؛ يعني: أن القوى التي آمنت باللطيفة الخفية، وعملت الصالحات من الإخلاص في الطاعات وترك العادات في العبادات، ومخالفة الآباء والأمهات بأمر خالق الأرض والسماوات؛ لأنهم اتبعوا خير اللطائف وصاروا { خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110] يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [البينة: 8]؛ يعني: يجزيهم الله في دار الجزاء بما كسبوا طارت معدنهم في دار الكسب { جَنَّاتُ عَدْنٍ } [البينة: 8] في قلوبهم، { تَجْرِى } [البينة: 8] من تلك الجنة أنهار المعرفة الخالدة أبد الآباد، آمنة عن الانقطاع والنفاد، { رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [البينة: 8] لتركهم تقليد آبائهم ودخولهم في { دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } [البينة: 5]، وانقيادهم أمر اللطيفة الخفية المعلمة لهم أمر التقويم والتصقيل والتوجه في صورة الصلاة والزكاة ومعنى الإخلاص، { وَرَضُواْ عَنْهُ } [البينة: 8] بما يحكم عليهم؛ لإيقانهم بأنه رءوف رحيم حكيم عليم، { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } [البينة: 8]؛ يعني: رضاك عن الله من ثمرة الخشية من الله، فإذا خشيت من ربك وتركت ما يسخط به عليك ربك رضي الله عنك، وإذا رضي عنك ربك يجعلك من أهل الرضا وباب الله الأعظم، فإذا وقفت بالباب بالحرمة وراعيت شرائط حسب الأدب، ورضيت في جميع الحالات من رب الأرباب، وقطعت النظر عن الأسباب يدخلك في دار الصفاء، ويجلسك على سرير أصحاب الصمت، ويسقيك من شراب المعرفة الذاتية، ويسكرك عن رؤية وجودك حتى لا تسمع إلا من الله، ولا تكون إلا بالله، ولا تعمل إلا لله، ولا تسافر إلا في الله، ولا تنظر إلا إلى الله، ولا [ترى] إلا لله، فحينئذ يكون سكران كلّ اللسان.
فأما شراب المعرفة الصفاتية فيثمر طول طور اللسان، ويجعل الرجل صاحب البيان منبسط الجنان في الجنان، وهذه مراتب تحصل للسالك في مقام الخشية؛ ولأجل هذا جاء في القرآن:
{ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28]، وقال الله تعالى { أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [البقرة: 145] درجات، وقال الله تعالى أيضاً: { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الزخرف: 32]، وقال سيد السادات عليه أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحيات: "أنا أعلمكم بالله وأخشاكم من الله" ، وكل من كان خشي من الله كان أعلم بالله، وكل من كان أعلم بالله كان أرفع درجة عند الله، وكل من كان أقرب إلى الله كان أكثر خشية إلى الله كما قيل بالفارسية: بيت تزديكا نرابيش بور حيراني كيشان دانندسيات سلطاني.
اللهم اجعلني من أهل الرضا، وأدخلني في زمرة أهل الصفاء.