التفاسير

< >
عرض

إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا
١
وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا
٢
وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا
٣
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا
٤
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا
٥
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ
٦
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
٧
وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
٨
-الزلزلة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

يا فزعاً من زلزلة القيامة وأحوالها { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [الزلزلة: 1] فما ينفعك الفزع في الساعة من أهوالها، واعلم أن الله ذكر القيامة، والطامة، والصاخة، والحاقة، والغاشية، والساعة، والواقعة؛ ليعلمه أن القيامات كثيرة، ولكل قيامة اسم خاص لها، والخلاص من كل قيامة بنوع طاعة مميزة من غيرها، فالواجب عليك عرفان القيامات، ثم عرفان الطاعات المخصوصة بكل قيامة من القيامات، ليمكن الك الاشتغال بها والاستخلاص منها.
واعلم أولاً أن القيامة التي يذكرها الله تعالى في هذه السورة؛ هي القيامة القالبية، والطاعة التي تنفع لهذه القيامة الطاعات القالبية المفروضة عليك، كالإقرار باللسان في كلمتي الشهادة، والأذكار اللسانية، والقيام والقعود، والركوع والسجود، والقراءة في الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، والصوم، والجهاد، والحدود، والكفارات طاعة تتعلق بالشهادة الآفاقية، فإذا أديت حق الطاعات القالبية تخلصت من أهوال القيامة القالبية إن شاء الله تعالى.
واعلم أن أرض قالبك تزلزت عند نزول سلطان الذكر اللساني عليها وأخرجت ما فيها من الخاصيات، كما يقول: { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [الزلزلة: 2] فالواجب على الخير اليقظان ألاَّ يلتفت إليها ولو التفت من دناءة همته إلى تلك الخواص، ويقول: { مَا لَهَا } [الزلزلة: 3]، كما قال تعالى في كتابه الكريم: { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [الزلزلة: 3-4] تلك الخواص، { أَخْبَارَهَا } [الزلزلة: 4]؟؛ أي: ما فيها من الخواص التي يمكن أنها الكتاب الخير والشر وما يحدث تلك الخاصيات بأنفسهن، بل يحدث بوحي الرب، كما قال تعالى: { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } [الزلزلة: 5-6]؛ لأنهم التفتوا إليها وتفتشوا عن حالها، وأوحى الله إليها وأنطقها كما أنطق كل شيء ليحدثن بأخبارها، فتشتت وتفرق الناس في مشاهدة خواصها وأعمالهم الصادرة عنهم من الخير والشر، أنها من أي خاصية صدرت؟! { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [الزلزلة: 6-7]؛ أي: يره مصدره، من أي خاصة كان؟
{ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 8]؛ أي: مصدره، ففي هذه المقام مناقشة عظيمة في الحساب، وهذا القيامة التي ألجمت الناس يعرف الحسرة والندامة والحياء، وليس من المقامات قيامة أشد من هذا، والواجب عليك أن تموت اليوم الموت الاختياري لتشاهد قيامتك التي نبَّه النبي إليها حيث قال صلى الله عليه وسلم:
"من مات فقد قامت قيامته" ، لتحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتتخلص من أحوالها اليوم لتكون من الفائزين غداً - إن شاء الله تعالى - وأشرح بتوفيق الله تعالى أن أمهلني الله القيامات للآخرين في موقعها بإذن الله تعالى.