التفاسير

< >
عرض

وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ
٥٣
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٥٤
أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٥
هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٥٦
-يونس

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الاستنباء طلب النبأ الذى هو الخبر والاقتداء إيقاع الشيء بدل غيره لدفع المكروه به يقال فداه يفديه فدية وفداء وافتداه افتداء وفاداه مفاداة.
الإعراب: ألا كلمة تستعمل في التنبيه وأصلها لا دخل عليها حرف الاستفهام تقريراً وتذكيراً فصارت تنبيهاً وكسرت إنَّ بعد ألا لأن ألا يستأنف ما بعدها لينبَّه بها على معنى الابتداء ولذلك وقع بعدها الأمر والدعاء كقول امرئ القيس:

ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البالي

المعنى: { ويستنبئونك } يا محمد يطلبون منك أن تخبرهم { أحق هو } أي أحق ما جئت به من القرآن والنبوة والشريعة. وقيل: أحق ما تعدنا من البعث والقيامة والعذاب عن الجبائي { قل } يا محمد { إي وربي } أي نعم وحق الله { إنه لحق } لا شك فيه { وما أنتم بمعجزين } أي بسابقين فائتين وهذا الاستخبار يحتمل أن يكون إنما وقع منهم على وجه التعريف والاستفهام ويحتمل أن يكون وقع على وجه الاستهزاء { ولو أن لكل نفس ظلمت } أي أشركت بالله عن ابن عباس. وقيل: ظلمت بكل ما يسمى ظلماً { ما في الأرض } من الأموال { لافتدت به } من هول ما يلحقها من العذاب.
{ وأسرُّوا الندامة لما رأوا العذاب } أي أخفوا الندامة أي أسرَّ الندامة رؤساء الضلالة من الأتباع والسفلة. وقيل: أسرّوا الندامة أي أخلصوها والندامة الحسرة على ما كان يتمنى أنه لم يكن. وقيل: أسروا أي أظهروا عن أبي عبيدة والجبائي وقال الأزهري وهذا غلط لأن ما يكون بمعنى الإظهار يكون بالشين المنقطة من فوق.
{ وقضي بينهم بالقسط } أي فصل بينهم بالعدل { وهم لا يظلمون } فيما يفعل بهم من العقاب لأنهم جنوه على أنفسهم وروي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال إنما أسروا الندامة وهم في النار كراهية لشماتة الأعداء على أنفسهم.
{ ألا إن لله ما في السماوات والأرض } أي له ملك السماوات والأرض وما فيهما فلا يقدر أحد على منعه من إحلال العقاب بمملوكه المستحق له { ألا إن وعد الله } بإحلال العقاب بالمجرمين { حق ولكن أكثرهم لا يعلمون } صحة ذلك لجهلهم به تعالى وبصحة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم { هو يحيي } أي يحيي الخلق بعد كونهم أمواتاً { ويميت } أي يميتهم بعد أن كانوا أحياء { وإليه ترجعون } يوم القيامة فيجازيهم على أعمالهم قال الجبائي: وفي هذه الآية دلالة على أنه لا يقدر على الحياة إلا الله تعالى لأنه تعالى تمدح بكونه قادراً على الإحياء والإماتة.
النظم: وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها أن قوله { ويستنبئونك } عطف على { ويستعجلونك } لمعنى أنهم يستعجلونك ويقولون متى تكون القيامة والعذاب أو يستخبرونك أحقٌّ ما تقول من كونه ووجه اتصال قوله { ألا إن لله ما في السماوات والأرض } بما قبله اتصال الإثبات بالنفي وتقديره ليس للظالم ما يفتدي به بل جميع الملك له تعالى. وقيل: إنه يتصل بما قبله بمعنى أن من يملك السموات والأرض يقدر على الإيقاع ما توعد به ووجه اتصال قوله { ألا إن وعد الله حق } بما قبله أنه إذا خلق السموات والأرض لا للعبث بل لمنافع الخلق فلا يجوز عليه خلف الوعد وأيضاً فإن من صفة الخالق أن يكون عالماً لذاته غنياً غير محتاج والخلف كذب قبيح ولا بدَّ للفعل من داع والداعي إلى القبيح إما الجهل بقبحه أو الحاجة إليه فإذاً لا يجوز الخلف عليه إذ لا داعي له إليه.