التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
٧٩
فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ
٨٠
فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٨١
وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ
٨٢
-يونس

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم بكل سحّار بالتشديد والباقون ساحر على وزن فاعل وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو السحر بقطع الألف ومدها على الاستفهام والباقون السحر موصولة على الخبر.
الحجة: قد بيّنا الوجه في سحّار وساحر في سورة الأعراف وأما قولـه: { السحر } فإن ما في قوله: { ما جئتم به } في موضع رفع بالابتداء وجئتم في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ والكلام استفهام والسحر بدل من ما المبتدأ ولزم أن يلحق السحر الاستفهام ليساوي المبدل منه في أنه استفهام ألا ترى أنه ليس في قولك السحر استفهام وعلى هذا قالوا كم مالك أعشرون أم ثلاثون فجعلت العشرون والثلاثون بدلاً من كم وألحقت أم لأنك في قولك كم درهماً مالك مُدَّعٍ أن له مالاً كما أنك في قولك أعشرون أم ثلاثون مالك مُدَّعٍ أحد الشيئين ولا يلزم أن تضمر للسحر خبراً على هذا لأنك إذا أبدلت من المبتدأ صار في موضعه وصار ما كان خبراً لما أبدلت منه في موضع خبر البدل، ومن قرأ ما جئتم به السحر كان ما في قوله موصولاً وجئتم به الصلة والهاء المجرورة عائدة على الموصول وخبر المبتدأ الذي هو الموصول السحر ومما يقوّي هذا الوجه ما زعموا أنه في حرف عبد الله ما جئتم به سحر فعلى هذا يكون تقديره الذي جئتم به السحر وعلى الوجه الأول وهو أن يكون ما استفهاماً فتقديره أيُّ شيء جئتم السحر وأما وجه الإستفهام مع علم موسى أنه سحر فإنه مثل قوله:
{ أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } [المائدة: 116] في أنه للتقرير.
المعنى: { وقال فرعون } حكى الله سبحانه عن فرعون أنه حين أعجزه المعجزات التي ظهرت لموسى (ع) ولم يكن له في دفعها حيلة قال لقومه: { ائتوني بكل ساحر عليم } بالسحر بليغ في عمله وإنما طلب فرعون كل ساحر ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى وحتى لا يفوته شيء من السحر بتأخر بعضهم وإنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله وليس بسحر وبعد ذلك علم أنه ليس بسحر فعائد كما قال سبحانه:
{ { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا ربُّ السماوات والأرض بصائر } [الإسراء: 10]. وقيل: إنه علم أنه ليس بسحر ولكنه ظنَّ أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه: { فلما جاء السحرة } الذين طلبهم فرعون وأمر بإحضارهم وموسى حاضر { قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون } وفي الكلام حذف يدلُّ عليه الظاهر وتقديره فلما أتوه بالسحرة وبالحبال والعصي قال لهم موسى { ألقوا ما أنتم ملقون } أي اطرحوا ما جئتم به. وقيل: معناه افعلوا ما أنتم فاعلون وهذا ليس بأمر بالسحر ولكنه قال ذلك على وجه التحدي والالزام أي من كان عنده ما يقاوم المعجزات فليلقه. وقيل: أنه أمر على الحقيقة بالإلقاء ليظهر بطلانه وإنما لم يقتصر على قوله: { ألقوا } لأنه أراد ألقوا جميع ما أنتم ملقون في المستأنف فلو اقتصر على ألقوا ما أفاد هذا المعنى والإلقاء إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض ويشبه بذلك قولهم ألقى عليه مسألة وألقى عليه رداه:
{ فلما ألقوا } أي فلما ألقت السحرة سحرهم { قال موسى } لهم { ما جئتم به السحر } أي الذي جئتم به من الحبال والعصى السحر أدخل عليه الألف واللام للعهد لأنهم لما قالوا لما أتى به موسى أنه سحر قال (ع) ما جئتم به هو السحر عن الفراء { إن الله سيبطله } أي سيبطل هذا السحر الذي فعلتموه { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } معناه إن الله لا يهيئ عمل من قصد إفساد الدين ولا يمضيه ويبطله حتى يظهر الحق من الباطل والمحقَّ من المبطل: { ويحقُّ الله الحقَّ } أي يظهر الله الحق ويحقّقه ويثبته وينصر أهله: { بكلماته } قيل في معناه أقوال أحدها: أن معناه بوعد موسى (ع) وكان وعده النصر فأنجز وعده عن الحسن وثانيها: أن معناه بكلامه الذي يتبين به معاني الآيات التي أتاها نبيّه عن الجبائي وثالثها: بما سبق من حكمه في اللوح المحفوظ بأنَّ ذلك سيكون: { ولو كره المجرمون } ظهور الحق وإبطال الباطل وفي هذه الآية دلالة على أنه تعالى ينصر المحقين كلهم في حقهم وذلك على وجهين أحدهما: بالحجة فهذه النصرة مستمرة على كل حال والثاني: بالغلبة والقهر وهذا يختلف بحسب المصلحة لأن المصلحة قد تكون بالتخلية تارة وبالحيلولة أخرى.