التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ
١
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ
٢
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ
٣
تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ
٤
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ
٥
-الفيل

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة أبي عبد الرحمن ألم تر بسكون الراء.
الحجة: قال ابن جني: إن هذا السكون بابه الشعر دون القرآن لما فيه من استهلاك الحرف والحركة قبله يعني الألف والفتحة من ترى أنشد أبو زيد:

قالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنا سَوِيقا

يريد اشْتَرِ وأنشد:

قَدْ حَجَّ فِي ذَا الْعامِ مَنْ كانَ رَجا فَاكْتَـرْ لَنـا كَرِيَّ صِـدْقِ فَالنَّجا
وأحْــذَرْ فَلا تَكْتَـرْ كَرِيّاً أعْرَجا عِلْجـاً إذا ســارَ بِنــا عَفَنْجَـجا

فحذف كسرة اكْتَرْ في الموضعين.
اللغة: أبابيل جماعات في تفرقة زمرة زمرة ولا واحد لها في قول أبي عبيدة والفراء كعبابيد وقال الكسائي: واحدها إبَّول مثل عجول وزعم أبو جعفر الرواسي أنه سمع في واحدها إبالة.
الإِعراب: كيف فعل ربك منصوب بفعل على المصدر أو على الحال من الرب والتقدير ألم تَرَ أيَّ فعل فعل ربك أو أمنتقماً فعل ربك بهم أم مجازياً ونحو ذلك والجملة التي هي كيف فعل ربك سدّت مسدّ مفعولي ترى.
قصة أصحاب الفيل
أجمعت الرواة على أن ملك اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح الأشرم. وقيل: إن كنيته أبو يكسوم قال الواقدي: هو صاحب النجاشي جدّ النجاشي الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن يسار: أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قبا فحفر بها بئراً يدعى اليوم بئر الملك قال وبالمدينة إذ ذاك يهود والأوس والخزرج فقاتلوه وجعلوه يقاتلونه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة فاستحيا وأراد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن جلاح وخرج إليه من اليهود بنيامين القرظي فقال أحيحة: أيها الملك نحن قومك وقال بنيامين: هذه بلدة لا تقدر على أن تدخلها ولو جهدت قال ولمَ قال لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش.
قال ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحاً فقصفت يديه ورجليه وشنجت جسده فأرسل إلى من معه من اليهود فقال ويحكم ما الذي أصابني قالوا حدثت نفسك بشيء قال نعم وذكر ما أجمع عليه من هدم البيت وإصابة ما فيه قالوا ذلك بيت الله الحرام ومن أراده هلك قال ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه قالوا تحدث نفسك بأن تطوف به وتكسره وتهدي له فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله.
ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وكسا البيت وذكر الحديث في نحره بمكة وإطعامه الناس ثم رجوعه إلى اليمن وقتله وخروج ابنه إلى قيصر واستغاثته به فيما فعل قومه بأبيه وأن قيصر كتب له إلى النجاشي ملك الحبشة وأن النجاشي بعث له ستين ألفاً واستعمل عليهم روزبة حتى قاتلوا حمير قتلة أبيه ودخلوا صنعاء فملكوها وملكوا اليمن.
وكان في أصحاب روزبة رجل يقال له أبرهة وهو أبو يكسوم فقال لروزبة إني أولى بهذا الأمر منك وقتله مكراً وأرضى النجاشي ثم إنه بنى كعبة باليمن وجعل فيها قباباً من ذهب فأمر أهل مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام وإن رجلاً من بني كنانة خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الإِنسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال من اجترأ عليَّ بهذا ونصرانيتي لأهدمنَّ ذلك البيت حتى لا يحجَّه حاجّ أبداً ودعا بالفيل وأذن قومه بالخروج ومن اتبعه من أهل اليمن وكان أكثر من اتبعه منهم عك والأشعرون وخثعم.
قال ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلاً من بني سليم ليدعو الناس إلى حجّ بيته الذي بناه فتلقاه أيضاً رجل من الحمس من بني كنانة فقتله فازداد بذلك حنقاً وحثَّ السير والانطلاق وطلب من أهل الطائف دليلاً فبعثوا معه رجلاً من هذيل يقال له نفيل فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوه وهو من مكة على ستة أميال فبعثوا مقدماتهم إلى مكة فخرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال وقالوا لا طاقة لنا بقتال هؤلاء ولم يبق بمكة غير عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول:

لا هُــــمَّ إنَّ الْمَــرْءَ يَمْــ ــنَـعُ رَحْلَــهُ فَـامْنَـعْ حِـلالَـكْ
لا يَغْــلِـبُــوا بِـصَلِيبِــهِــمْ وَمِــحالِـهِمْ عَــدْواً مِحـالـكْ
لا يَــدْخُـلُـوا الْبَــلَــدَ الْـحَـرامَ إذاً فَــأْمْــر مــا بَــدا لَـــكْ

ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعماً لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم وكان حاجب أبرهة رجلاً من الأشعرين وكانت له بعبد المطلب معرفة فاستأذن له على الملك وقال له أيها الملك جاءك سيد قريش الذي يطعم أنسها في الحي ووحشها في الجبل فقال له: ائذن له وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً جميلاً فلما رآه أبو يكسوم أعظمه أن يجلسه تحته وكره أن يجلسه معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الأرض وأجلس عبد المطلب معه ثم قال ما حاجتك قال: حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدمتك فقال أبو يكسوم: والله لقد رأيتك فأعجبتني ثم تكلمت فزهدت فيك.
فقال ولِمَ أيها الملك قال لأني جئت إلى بيت عزّكم ومنعتكم من العرب وفضلكم في الناس وشرفكم عليهم ودينكم الذي تعبدون فجئت لأكسره وأصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلّمتني في إبلك ولم تطلب إلي في بيتكم فقال له عبد المطلب أيها الملك أنا أكلمك في مالي ولهذا البيت ربّ هو يمنعه لست أنا منه في شيء فراع ذلك أبا يكسوم وأمر بردّ إبل عبد المطلب عليه ثم رجع.
وأمست ليلتهم تلك الليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاماً لاقترابها منهم فأحست نفوسهم بالعذاب وخرج دليلهم حتى دخل الحرم وتركهم وقال الأشعرون وخثعم فكسروا رماحهم وسيوفهم وبرأوا إلى الله أن يعينوا على هدم البيت فباتوا كذلك بأخبث ليلة ثم أدلجوا بسحر فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة فوجَّهوه إلى مكة فربض فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن يصبحوا ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا لك الله أن لا نوجهك إلى مكة فانبعث فوجهوه إلى اليمن راجعاً فتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه منطلقاً حتى إذا ردّوه إلى مكانه الأول ربض فلما رأوا ذلك عادوا إلى القسم فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة فجعلت ترميهم وكل طائر في منقاره حجر وفي رجليه حجران وإذا رمت بذلك مضت وطلعت أخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه ولا عظم لا أوهاه وثقبه وثاب أبو يكسوم راجعاً قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلما قدم أرضاً انقطع له فيها أرب حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شيء إلا باده فلما قدمها تصدع صدره وانشقَّ بطنه فهلك ولم يصب من الأشعرين وخثعم أحد قال وكان عبد المطلب يرتجز ويدعو على الحبشة يقول:

يا رَبِّ لا أرْجُو لَهُمْ سِواكا يا رَبِّ فَامْنَـعْ مِنْهُم حِماكا
إنَّ عَــدُوَّ الْبَيْت مَنْ عاداكا إنَّهُــم لَمْ يَقْهَــــرُوا قُواكـا

قال ولم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك وليس كل القوم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاؤوا ويسألون عن نفيل ليدلَّهم على الطريق وقال نفيل في ذلك:

رُدِيَنَــةُ لَوْ رَأَيْـتَ وَلَنْ تَرِينَه لَدى جَنْبِ الْمُحَصَّبِ ما رَأَيْنا
حَمَــدْتِ اللهِ إذْ عايَنْـتَ طَيْراً وَخِفْــتَ حِجارَةً تُلْقــى عَلَيْنـا
وَكُــلُّ الْقَـوْمِ يَسْــأَلُ عَـنْ نُفَيْلٍ كَأَنَّ عَلَــيَّ لِلْحُبْشـــانِ دَيْنــا

وقال مقاتل بن سليمان: السبب الذي جر أصحاب الفيل إلى مكة هو أنَّ فئة من قريش خرجوا تجاراً إلى أرض النجاشي فساروا حتى دنوا من ساحل البحر وفي حقف من أحقافها بيعة للنصارى تسمّيها قريش الهيكل ويسميها النجاشي وأهل أرضه ماسرخشان فنزل القوم فجمعوا حطباً ثم أجَّجوا ناراً واشتروا لحماً فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف فذهبت الرياح بالنار فاضطرم الهيكل ناراً فغضب النجاشي لذلك فبعث أبرهة لهدم الكعبة.
وروى العياشي بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: أرسل الله على أصحاب الفيل طيراً مثل الخطاف - ونحوه في منقاره حجر مثل العدسة فكان يحاذي برأس الرجل فيرميه بالحجارة فيخرج من دبره فلم تزل بهم حتى أتت عليهم قال فأفلت رجل منهم فجعل يخبر الناس بالقصة فبينا هو يخبرهم إذ أبصر طيراً فقال هذا هو منها قال فحاذى فطرحه على رأسه فخرج من دبره.
وقال عبيد بن عمير الليثي: لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل فبعث عليهم طيراً نشأت من البحر كأنها الخطاطيف كل طير منها معه ثلالة أحجار ثم جاءت حتى صفت على رؤوسهم ثم صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر وإن وقع على رأسه خرج من دبره وإن وقع على شيء من جسده خرج من الجانب الآخر وعن عكرمة عن ابن عباس قال دعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطين فلما حاذت بهم رمتهم فما بقي أحد منهم إلا أخذته الحكة وكان لا يحك الإنسان منهم جلداً إلا تساقط لحمه قال وكانت الطير نشأت من قبل البحر لها خراطيم الطيور ورؤوس السباع لم تر قبل ذلك ولا بعده.
المعنى: خاطب الله سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم تنبيهاً على عظم الآية التي أظهرها والمعجزة التي فعلها فقال { ألم تر } أي ألم تعلم يا محمد لأنه صلى الله عليه وسلم لم ير ذلك. وقيل: معناه ألم تخبر عن الفراء { كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } الذين قصدوا تخريب الكعبة وكان معهم فيل واحد اسمه محمود عن مقاتل وقيل ثمانية أفيال عن الضحاك. وقيل: اثنا عشر فيلاً عن الواقدي وإنما وحَّد لأنه أراد الجنس وكان ذلك في العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أكثر العلماء. وقيل: كان أمر الفيل قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وعشرين سنة عن الكلبي. وقيل: كان قبل مولده بأربعين سنة عن مقاتل والصحيح الأول.
ويدل عليه ما ذكر أن عبد الملك بن مروان قال لعتاب بن أشيم الكناني الليثي: يا عتاب أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عتاب: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ووقعت على روث الفيل وقالت عائشة: رأيت قائد الفيل وسائقه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان { ألم يجعل كيدهم في تضليل } معناه ألم يجعل إرادتهم السوء واحتيالهم في تخريب البيت الحرام وقتل أهله وسبيهم واستباحتهم في تضليل عما قصدوا إليه ضلَّ سعيهم حتى لم يصلوا إلى ما أرادوه بكيدهم. وقيل: في تضليل أي في ذهاب وبطلان { وأرسل عليهم طيراً أبابيل } أي أقاطيع يتبع بعضها بعضاً كالإبل المؤبلة قال الأعشى:

طَرِيقٌ وَجَبّارٌ رِواءٌ أُصُولُهُ عَلَيْــهِ أبابِيلٌ مِـنَ الطَّيْرِ تَنْعَبُ

وقال امرؤ القيس:

تَراهُمْ إِلَى الدَّاعِي سِراعاً كَأَنَّهُمْ أبابِيــل طَيْرٍ تَحْتَ داجِنِ مُدْجِنِ

وكانت لها خراطيم كخراطيم الطير وأكفّ كأكفّ الكلاب عن ابن عباس. وقيل: لها أنياب كأنياب السباع عن الربيع. وقيل: طير خضر لها مناقير صفر عن سعيد بن جبير. وقيل: طير سود بحرية تحمل في مناقيرها وأكفّها الحجارة عن عبيد الله بن عمير وقتادة ويمكن أن يكون بعضها خضراً وبعضها سوداً { ترميهم بحجارة من سجيل } أي تقذفهم بحجارة صلبة شديدة ليست من جنس الحجارة وقد فسَّرنا السجيل في سورة هود وما جاء من الأقوال فيه فلا معنى لإعادته وقال موسى ابن عائشة: كانت الحجارة أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة وقال عبد الله بن مسعود: صاحت الطير فرمتهم بالحجارة فبعث الله ريحاً فضربت الحجارة فزادتها شدّة فما وقع منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر فإن وقع على رأسه خرج من دبره.
{ فجعلهم كعصف مأكول } أي كزرع وتبن قد أكلته الدواب ثم راثته فديست وتفرقت أجزاؤه شبَّه الله تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث قال الحسن: كنا ونحن غلمان بالمدينة نأكل الشعير إذا قصب وكان يسمى العصف وقال أبو عبيدة: العصف ورق الزرع قال الزجاج: أي جعلهم كورق الزرع الذي جز وأكل أي وقع فيه الأكال وكان هذا من أعظم المعجزات القاهرات والآيات الباهرات في ذلك الزمان أظهره الله تعالى ليدلَّ على وجوب معرفته وفيه إرهاص لنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه ولد في ذلك العام.
وقال قوم من المعتزلة إنه كان معجزة لنبي من الأنبياء في ذلك الزمان وربما قالوا هو خالد بن سنان ونحن لا نحتاج إلى ذلك لأنا نجوز إظهار المعجزات على غير الأنبياء من الأئمة والأولياء وفيه حجة لائحة قاصمة لظهور الفلاسفة والملحدين المنكرين للآيات الخارقة للعادات فإنه لا يمكن نسبة شيء مما ذكره الله تعالى من أمر أصحاب الفيل إلى طبع وغيره كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرهما مما أهلك الله تعالى به الأمم الخالية إلى ذلك إذ لا يمكنهم أن يروا في أسرار الطبيعة إرسال جماعات من الطير معها أحجار معدَّة مهيّأة لهلاك أقوام معينين قاصدات إياهم دون من سواهم فترميهم بها حتى تهلكهم وتدمر عليهم حتى لا يتعدى ذلك إلى غيرهم ولا يشك من له مسكة من عقل ولبّ أن هذا لا يكون إلا من فعل الله تعالى مسبب الأسباب ومذلّل الصعاب وليس لأحد أن ينكر هذا لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل أقرّوا به وصدّقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالردّ عليه وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لأنكروه وجحدوه وكيف وأنهم قد أرَّخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصيّ بن كعب وغير ذلك وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه ونقلته الرواة عنهم فمن ذلك ما قاله أمية بن أبي الصلت:

إنَّ آيــاتِ رَبِّنـا بَيِّنــاتٌ ما يُمارِي فِيهن إلاّ الْكَفُورُ
حَبَسَ الْفِيلَ بِالْمُغمَّسِ حَتّى ظَــلَّ يَحْبُــو كَأَنَّهُ مَعْقُورُ

وقال عبد الله بن عمرو بن مخزوم:

أنْــتَ الْجَلِيلُ رَبَّنا لَمْ تَدْنَسْ أنْتَ حَبَسْتَ الْفِيلَ بِالْمُغَمَّسْ
مِنْ بَعْدِما هَمَّ بِشَيْءٍ مُبْلَسْ حَبَسْتَــهُ فِي هَيْئَةِ الْمُكَرْكَسْ

أي المنكس قال ابن الرقيات في قصيدة:

وَاسْتَهَلَّتْ عَلَيْهِمُ الطَّيْرُ بِالْـ ـجَنْدَلِ حَتَّـى كَأَنَّـهُ مَرْجُومُ