التفاسير

< >
عرض

أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ
١
فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ
٢
وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ
٣
فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ
٤
ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ
٥
ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ
٦
وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ
٧
-الماعون

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة أبي رجاء العطاردي يَدَع اليتيم بفتح الدال خفيفة.
الحجة: ومعناه يتركه ويعرض عنه فهو صائر إلى معنى القراءة المشهورة يدُعُّ اليتيم أي يدفعه ويجفو عليه.
اللغة: الدع الدفع بشدة ومنه الدعدعة تحريكك المكيال ليستوعب الشيء كأنك تدفعه والدعدعة أيضاً زجر المعز والحض والحث والتحريض بمعنى واحد والماعون كل ما فيه منفعة قال الأعشى:

بِـأَجْوَدَ مِنْهُ بِماعُونِهِ إذا ما سَماؤُهُم لَمْ تُغِــمْ

وقال الراعي:

قَوْمٌ عَلَى الإسْلامِ لَمّا يَمْنَعُوا مَاعُونَهُـمْ ويُضَيّعُوا التَّهْلِيلا

وقال أعرابي: في ناقة له:

كَيْمـا أَنَّها تُعْطِيــكَ الماعُــون

أي تنقاد لك وتطيعك وأصله القلة من المعن وهو القليل قال الشاعر:

فـإنَّ هِـلاكَ مالِــكَ غَيْــرُ مَعْــنِ

أي غير قليل ويقال ما له ممْعنٌ ولا مَعْن فالماعون القليل القيمة مما فيه منفعة ويقال معن الوادي إذا جرت مياهه قليلاً قليلاً.
الإعراب: { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } اعتمد هنا في الخبر على ما جرى في صلة الموصول الذي هو وصف المجرور باللام المتعلق بالخبر ألا ترى أن قوله { فويل للمصلين } غير محمول على الظاهر والإعتماد على السهو في صلة الذين وقوله { الذين هم يراؤون } يجوز أن يكون مجروراً على أنه صفة للمصلين ويجوز أن يكون منصوباً على إضمار أعني وأن يكون مرفوعاً على إضمارهمْ.
المعنى: خاطب الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { أرأيت } يا محمد { الذي يكذب بالدين } أي هذا الكافر الذي يكذب بالجزاء والحساب وينكر البعث مع وضوح الأمر في ذلك وقيام الحجج على صحته وإنما ذكره سبحانه بلفظ الاستفهام إرادة للمبالغة في الإفهام والتكذيب بالجزاء من أضر شيء على صاحبه لأنه يعدم بذلك أكثر الدواعي إلى الخير والصوارف عن الشر فهو يتهالك في الإسراع إلى الشر الذي يدعوه إليه طبعه إذ لا يخاف عواقب الضرر فيه قال الكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة عن السدي ومقاتل بن حيان. وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب كان ينحر في كل اسبوع جزورين فأتاه يتيم فسأله شيئاً فقرعه بعصاه عن ابن جريج. وقيل: نزلت في رجل من المنافقين عن عطاء عن ابن عباس.
{ فذلك الذي يدع اليتيم } بيَّن سبحانه أن من صفة هذا الذي يكذب بالدين أنه يدفع اليتيم عنفاً به لأنه لا يؤمن بالجزاء عليه فليس له رادع عنه. وقيل: يدعُّ اليتيم أي يدفعه عن حقه بجفوة وعنف ويقهره عن ابن عباس ومجاهد { ولا يحض على طعام المسكين } أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه يعني لا يفعله إذا قدر ولا يحض عليه إذا عجز لأنه يكذب بالجزاء.
{ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } وهم الذين يؤخّرون الصلاة عن أوقاتها عن ابن عباس ومسروق وروي ذلك مرفوعاً. وقيل: يريد المنافقين الذين لا يرجون لها ثواباً إن صلوا ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها فإذا كانوا مع المؤمنين صلّوها رياء وإذا لم يكونوا معهم لم يصلّوا وهو قوله { الذين هم يراؤون } عن علي (ع) وابن عباس وقال أنس: الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم يريد بذلك أن السهو الذي يقع للإنسان في صلاته من غير عمد لا يعاقب عليه. وقيل: ساهون عنها لا يبالون صلّوا أم لم يصلّوا عن قتادة. وقيل: هم الذين يتركون الصلاة عن الضحاك. وقيل: الذين إن صلّوها صلّوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عن الحسن. وقيل: هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها ولا سجودها عن أبي العالية وعنه أيضاً قال هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتاً.
وروى العياشي بالإسناد عن يونس بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن قوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } أهي وسوسة الشيطان فقال لا كل أحد يصيبه هذا ولكن أن يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها وعن أبي أسامة زيد الشحام قال سالت أبا عبد الله (ع) عن قول الله الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو الترك لها والتواني عنها وعن محمد ابن الفضيل عن أبي الحسن (ع) قال هو التضييع لها. وقيل: هم الذين { يراؤون } الناس في جميع أعمالهم لم يقصدوا بها الإخلاص لله تعالى.
{ ويمنعون الماعون } اختلف فيه فقيل هي الزكاة المفروضة عن علي وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وروي ذلك عن أبي عبد الله (ع). وقيل: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر وما لا يمنع كالماء والملح عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وروي ذلك مرفوعاً وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (ع) قال هو القرض تقرضه والمعروف تصنعه ومتاع البيت تعيره ومنه الزكاة قال فقلت إن لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه أفعلينا جناح أن نمنعهم فقال لا ليس عليك جناح أن تمنعهم إذا كانوا كذلك. وقيل: هو المعروف كله عن الكلبي.