التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ
١
وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً
٢
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً
٣
-النصر

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: مفعول جاء محذوف والتقدير إذا جاءك نصر الله وجواب إذا محذوف والتقدير إذا جاء نصر الله حضر أجلك. وقيل: جوابه الفاء في قوله { فسبح } { وأفواجاً } منصوب على الحال.
المعنى: { إذا جاء } يا محمد { نصر الله } على من عاداك وهم قريش { والفتح } فتح مكة وهذه بشارة من الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } أي جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة والمراد بالدين الإسلام والتزام أحكامه واعتقاد صحته وتوطين النفس على العمل به قال الحسن: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد صلى الله عليه وسلم بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان أي طاقة فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً أو اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام. وقيل: في دين الله أي في طاعة الله وطاعتك وأصل الدين الجزاء ثم يعبر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء كما قال سبحانه في دين الملك أي في طاعته.
{ فسبّح بحمد ربك واستغفره } هذا أمر من الله سبحانه بأن ينزّهه عما لا يليق به من صفات النقص وأن يستغفره ووجه وجوب ذلك بالنصر والفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها وهو شكر المنعم وتعظيمه والائتمار بأوامره والانتهاء عن معاصيه فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الشكر والاستغفار وإن لم يكن ثَمَّ ذنب فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله عز وجل.
{ إنه كان تواباً } يقبل توبة من بقي كما قبل توبة من مضى قال مقاتل:
"لما نزلت هذه السورة قرأها صلى الله عليه وسلم على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عم فقال: أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال: إنه لكما" تقول فعاش بعدها سنتين ما رئي فيهما ضاحكاً مستبشراً قال وهذه السورة تسمى سورة التوديع وقال ابن عباس: لما نزلت إذا جاء نصر الله قال نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة واختلف في أنهم من أيّ وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي فقيل لأن التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذٍ لاحق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل وعند الكمال يرقب الزوال كما قيل:

إذا تَــمَّ أَمْــرٌ بَــدا نـَقْـصُــهُ تَــوَقَّـعْ زَوالاً إذا قيـــلَ تَـــمَّ

وقيـــل لأنــه سبحانــه أمــره بتجديــــد التوحيـــد واستدراك الفائت بالاستغفار وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار وعن عبد الله بن مسعود قال "لما نزلت السورة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كثيراً سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم" و "عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآخرة لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال: سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: إني أمرت بها ثم قرأ: { إذا جاء نصر الله والفتح } " " وفي رواية عائشة أنه كان يقول: " "سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك " .
حديث فتح مكة
لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحبَّ أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في عقد قريش وكان بين القبيلتين شّر قديم ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة مقاتلة ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً وكان ممن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو فركب عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهراني القوم فقال:

لا هُــمَّ إنّـي ناشِدٌ مُحَمَّدا حِلْـفَ أَبِينا وَأبِيِه الأَتْلَدا

فقال رسول الله حسبك يا عمرو ثم قام فدخل دار ميمونة وقال اسكبي لي ماء فجعل يغتسل وهو يقول: "لا نصرت إن لم أنصر بني كعب" وهم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه لما أصيب منهم ومظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد كان صلى الله عليه وسلم قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدّد العقد ويزيد في المدة وسيلقى بديل بن ورقاء فلقوا أبا سفيان بعسفان وقد بعثته قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشدد العقد فلما لقي أبو سفيان بديلاً قال من أين أقبلت يا بديل قال سرت في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي قال ما أتيت محمداً قال لا.
فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته وأخذ من بعرها ففتَّه فرأى فيه النوى فقال: احلف بالله تعالى لقد جاء بديل محمداً ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد احقن دم قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدة فقال صلى الله عليه وسلم "أغدرتم يا أبا سفيان" قال لا قال صلى الله عليه وسلم "فنحن على ما كنا عليه" فخرج فلقي أبا بكر فقال أجر بين قريش قال ويحك واحد يجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني فقالت نعم هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك ثم خرج فدخل على فاطمة (ع) فقال يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس فقالت جواري جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس قالت والله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس وما يجيرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد فقال يا أبا الحسن أني أرى الأمور قد اشتدت عليّ فانصحني فقال علي (ع): إنك شيخ قريش فقم على باب المسجد وأجر بين قريش ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنياً عني شيئاً قال لا والله ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك غير ذلك.
فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا ما وراءك فأخبرهم بالقصة فقالوا والله إن زاد علي ابن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز لحرب مكة وأمر الناس بالتهيئة وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها.
وكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء فبعث علياً (ع) والزبير حتى أخذ كتابه من المرأة وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة ثم استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر الغفاري وخرج عامداً إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين ونحو من أربعمائة فارس ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه.
وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه فلم يأذن لهما فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال "لا حاجة لي فيهما أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال" فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بُنْي له فقال والله ليأذنَنَّ لي أو لآخذن بيد بُنيَّ هذا ثم لنذهبنَّ في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما فأذن لهما فدخلا عليه فأسلما.
فلما نزل رسول الله مرَّ الظهران وقد عمت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار وقد قال العباس: ليلتئذٍ يا سوء صباح قريش والله لئن بغتها رسول الله في بلادها فدخل مكة عنوة أنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطاباً أو صاحب لبن أو داخلاً يدخل مكة فنخبرهم بمكان رسول الله فيأتونه فيستأمنونه قال العباس: فوالله أني لأطوف في الأراك التمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء وسمعت أبا سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة قطّ نيراناً فقال بديل هذه نيران خزاعة فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان فقال أبو الفضل: فقلت نعم قال لبيك فداك أبي وأمي ما وراءك فقلت هذا رسول الله واراءك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال فما تأمرني فقلت تركب عجز هذه البغلة فاستأمن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لئن ظفر بك ليضربنَّ عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا هذا عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال يعني عمر يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد.
ثم اشتدّ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة وسبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء فدخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم إني جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت برأسه وقلت والله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت مهلاً يا عمر فوالله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف ولو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلاً يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إلي من إسلام الخطاب لو أسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهب فقد أمناه حتى تغدو به علي في الغداة" قال فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله فقال بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أحد فقال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله فقال بأبي أنت وأمي أما هذه فإن في النفس منها شيئاً قال العباس: فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك فتشهد فقال صلى الله عليه وسلم للعباس: انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى تمرَّ عليه جنود الله.
قال فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي ومرَّ عليه القبائل قبيلة قبيلة وهو يقول من هؤلاء وأقول أسلم وجهينة وفلان حتى مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصــار فــــي الحــديد لا يــرى منهــم إلا الحــدق فقــال مــن هؤلاء ياأباالفضل قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً فقلت: ويحك إنها النبوة فقال نعم إذاً وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واسلما وبايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام وقال: "من دخل دار أبي سفيان" وهي بأعلى مكة "فهو آمن ومن دخل دار حكيم" وهي بأسفل مكة "فهو آمن ومن أغلق بابه وكفَّ يده فهو آمن".
ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير بن العوام وأمره على خيل المهاجرين وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون وقال له لا تبرح حتى آتيك ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وضربت هناك خيمته وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته وبعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضائة وبني سليم وأمره أن يدخل أسفل مكة ويغرز رايته دون البيوت وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم وأمرهم بقتل أربعة نفر عبد الله بن سعد بن أبي سرح والحويرث بن نفيل وابن خطل ومقبس بن ضبابة وأمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فقتل علي (ع) الحويرث ابن نفيل وإحدى القينتين وأفلتت الأخرى وقتل مقيس بن صبابة في السوق وأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً فقتله.
قال وسعى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ عززه أي ركابه فقبَّله ثم قال بأبي أنت وأمي أما تسمع ما يقوله سعد إنه يقول:

اليـــوم يــوم الملحمــه اليــوم تسبــى الحــرمــة

فقال صلى الله عليه وسلم لعلي (ع): "أدركه فخذ الراية منه وكن أنت الذي يدخل بها وأدخلها إدخالاً رفيقاً" فأخذها علي (ع) وأدخلها كما أمر ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم وأتى رسول الله ووقف قائماً على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا إن كل مال أو مأثرةٍ ودم تدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ألا ان مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلي خلاها ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ثم قال ألا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وآذيتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم فكأنما انشروا من القبور ودخلوا في الإسلام وكان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة فكانوا له فيئاً فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء وجاء ابن الزبعرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وقال:

يا رَسُولَ الإلـــه إنَّ لِسانـي راتِــقٌ مــا فَتَقـْـتُ إذْ أنَا بُورُ
إذْ أُباري الشَّيْطانَ في سنَن الـ ـغَيّ وَمَــــنْ مالَ مَيْلُــهُ مَثْبُورُ

وعن ابن مسعود قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً وعن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت صورة إبراهيم وإسماعيل (ع) وفي أيديهما الأزلام فقال صلى الله عليه وسلم: "قاتلهم الله أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قطّ".