التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٠١
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ
١٠٢
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ
١٠٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٠٤
إِنَّمَا يَفْتَرِي ٱلْكَذِبَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأُوْلـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ
١٠٥
-النحل

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ يَلْحَدون بفتح الياء والحاء أهل الكوفة غير عاصم والباقون يُلحِدون بضم الياء وكسر الحاء وروي في الشواذ عن الحسن اللسان الذي يلحدون إليه بالألف واللام.
الحجة: حجة من قرأ يُلْحِدون قوله ومن يرد فيه بإلحاد ومن قرأ فلأن لحد لغة في أَلْحدَ وذلك إذا مال ومنه اللحد لأنه في جانب القبر ويكون الضم أرجح من حيث لغة التنزيل.
اللغة: التبديل في اللغة رفع الشيء مع وضع غيره مكانه يقال بدله وأبدله واستبدل به بمعنى واللسان العضو المعروف ويقال للغة اللسان وتقول العرب للقصيدة هذه لسان فلان قال الشاعر:

لِســانَ السُّــوءِ تهْــدِيه إلَيْنا وَحِنْتَ وَما حَسِبْتُكَ أَنْ تَحِينا

المعنى: ثم قال سبحانه مخبراً عن أحوال الكفار { وإذا بدلنا آية مكان آية } معناه وإذا نسخنا آية مكانها آية أخرى إما نسخ الحكم والتلاوة وإما نسخ الحكم مع بقاء التلاوة { والله أعلم بما ينزل } معناه والله أعلم بمصالح ما ينزل كل وقت ما توجبه المصلحة وقد تختلف المصالح باختلاف الأوقات كما تختلف باختلاف الأجناس والصفات.
{ قالوا إنما أنت مفتر } أي قال المشركون إنما أنت كاذب على الله قال ابن عباس كانوا يقولون يسخر محمد بأصحابه يأمرهم اليوم بأمر وغداً يأمرهم بأمر وإنه لكاذب يأتيهم بما يقول من عند نفسه { بل أكثرهم لا يعلمون } أي لا يعلمون أنه من عند الله أو لا يعلمون جواز النسخ ولأي سبب ورد النسخ.
{ قل } يا محمد { نزلـه روح القدس } أي أنزل الناسخ جبرائيل (ع) { من ربك بالحق } أي بالأمر الحق الصحيح الثابت { ليثبت الذين آمنوا } بما فيه من الحجج والآيات فيزدادوا تصديقاً ويقيناً, ومعنى تثبيته استدعاؤه لهم بألطافه ومعونته إلى الثبات على الإيمان والطاعة { وهدى } أي وهو هدى فيكون هدى خبر مبتدأ محذوف { وبشرى للمسلمين } أي بشارة لهم بالجنة والثواب.
{ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر } يقول سبحانه أنا نعلم أن الكفار يقولون إن القرآن ليس من عند الله وإنما يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بشر. قال ابن عباس: قالت قريش إنما يعلمه بلعام وكان قيناًَ بمكة رومياً نصرانياً. وقال الضحاك: أراد به سلمان الفارسي (ره) قالوا إنه يتعلم القصص منه وقال مجاهد وقتادة: أرادوا به عبداً لبني الحضرمي رومياً يقال له يعيش أو عائش صاحب كتاب, أسلم وحسن اسلامه. وقال عبد الله بن مسلم: كان غلامان في الجاهلية نصرانيان من أهل عين التمر اسم أحدهما يسار واسم الآخر خير كانا صيقلين يقرآن كتاباً لهما بلسانهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما مرَّ بهما واستمع لقراءتهما فقالوا إنما يتعلم منهما.
ثم ألزمهم الله تعالى الحجة وأكذبهم بأن قال { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } أي لغة الذي يضيفون إليه التعليم ويميلون إليه القول أعجمية ولم يقل عجمي لأن العجمي هو المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً والأعجمي هو الذي لا يفصح وإن كان عربياً ألا ترى أن سيبويه كان عجمياً وإن كان لسانه لسان اللغة العربية وقيل يلحدون إليه يرمون إليه ويزعمون أنه يعلمك أي لسان هذا البشر الذي يزعمون أنه يعلمك أعجمي لا يفصح ولا يتكلم بالعربية فكيف يتعلم منه ما هو في أعلى طبقات البيان.
{ وهذا } القرآن { لسان عربي مبين } أي ظاهر بيّن لا يشكك يعني إذا كانت العرب تعجز عن الإتيان بمثله وهو بلغتهم فكيف يأتي الأعجمي بمثله. قال الزجاج: وصفه بأنه عربي أي صاحبه يتكلم بالعربية.
ثم اتبع سبحانه هذه الآية بذكر الوعيد للكفار على ما قالوه فقال { إن الذين لا يؤمنون بآيات الله } أي بحجج الله التي أظهرها والمعجزات التي صدق بها قومك يا محمد { لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم } أي لا يثبتهم الله على الإِيمان أو لا يهديهم إلى طريق الجنة بدلالة أنه إنما نفى هداية من لا يؤمن فالظاهر أنه أراد بذلك الهدى الذي يكون ثواباً على الإِيمان لا الهداية التي في قولـه:
{ { فأما ثمود فهديناهم } [فصلت: 17] ثم بيَّن سبحانه أن هؤلاء هم المفترون فقال { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } أي إنما يخترع الكذب الذين لا يصدّقون بدلائل الله تعالى دون من آمن بها لأن الإِيمان يحجز عن الكذب.
{ وأولئك هم الكاذبون } لا أنت يا محمد فحصر فيهم الكذب بمعنى أن الكذب لازم لهم وعادة من عاداتهم وهذا كما تقول كذبت وأنت كاذب فيكون قولك أنت كاذب زيادة في الوصف بالكذب وفي الآية زجر عن الكذب حيث أخبر سبحانه أنه إنما يفتري الكذب من لا يؤمن. وقد روي مرفوعاً
"أنه قيل يا رسول الله المؤمن يزني قال: قد يكون ذلك قيل يا رسول الله المؤمن يسرق قال: قد يكون ذلك قيل يا رسول الله المؤمن يكذب قال: لا ثم قرأ هذه الآية" .
النظم: قيل في اتصال قوله: { وإذا بدلنا آية مكان آية } بما تقدَّم وجهان أحدهما: أنه من تمام صفة أولياء الشيطان المذكورين في قوله: { على الذين يتولونه } وتقديره يتولون الشيطان ويشركون بالآية المنزلة ويقولون عند تبديل الآية مكان الآية الأخرى { إنما أنت مفتر } والآخر: أن الآية منقطعة عما قبلها وهي معطوفة على الآية المتقدمة التي فيها وصف أفعال الكافرين والأول أوجه.