التفاسير

< >
عرض

وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً
٧٣
وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً
٧٤
إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً
٧٥
-الإسراء

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: لولا أن ثبتناك تقديره لولا تثبيتنا إياك فإن ها هنا في موضع رفع بالابتداء وخبره مضمر وهذا يدل على بطلان مذهب أبي سعيد حيث قال:

لـولا حـددت ولا عـدوى لمحـدودِ

واستدل به على أن لولا تدخل على الفعل وخفي عليه إضمار أن في البيت.
النزول: في سبب نزوله أقوال: أحدها: أن قريشاً قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لا ندعك تستلم الحجر حتى تلم بآلهتنا فحدث نفسه وقال:
"ما علي في أن ألمَّ بها والله يعلم إني لكاره لها ويدعوني أستلم الحجر" فأنزل الله تعالى هذه الآية عن سعيد بن جبير وثانيها: أنهم قالوا له كف عن شتم آلهتنا وتسفيه أحلامنا واطرد هؤلاء العبيد والسقاط الذين رائحتهم رائحة الصنان حتى نجالسك ونسمع منك فطمع في إسلامهم فنزلت الآية وثالثها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج الأصنام من المسجد فطلبت إليه قريش أن يترك صنماً على المروة فهم بتركه ثم أمر بعد بكسره فنزلت الآية رواه العياشي بإسناده ورابعها: أنها نزلت في وفد ثقيف قالوا نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال لا ننحني بفنون الصلاة ولا نكسر أصنامنا بأيدينا وتمتعنا باللات سنة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا خير في دين ليس فيها ركوع ولا سجود فأما كسر أصنامكم بأيدكم فذاك لكم وأما الطاعة للات فإني غير ممتعكم بها" وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ فقال عمر بن الخطاب ما بالكم آذيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يدع الأصنام في أرض العرب فما زالوا به حتى أنزل هذه الآيات عن ابن عباس وخامسها: أن وفد ثقيف قالوا أجلنا سنة حتى نقبض ما يهدى لآلهتنا فإذا قبضنا ذلك كسرناها وأسلمنا فهمَّ بتأجيلهم فنزلت الآية عن الكلبي رواه عن عطية عن ابن عباس.
المعنى: ثم حكى الله سبحانه عن الكفار فقال { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } إن هذه مخففة من الثقيلة والمعنى أن المشركين الذين تقدَّم ذكرهم في هذه السورة همُّوا وقاربوا أن يزلُّوك ويصرفوك عن القرآن الذي أوحينا إليك أي من حكمه { لتفتري علينا غيره } أي لتخترع علينا غير ما أوحينا إليك والمعنى لتحل محل المفتري لأنك تخبر أنك لا تنطق إلا عن وحي فإذا اتبعت أهواءهم أو هممت أنك تفعله بأمر الله فكنت كالمفتري { وإذاً لاتخذوك خليلاً } معناه وأنك لو أجبتهم إلى ما طلبوا منك لتولوك وأظهروا خلتك أي صداقتك لموافقتك معهم وقيل هو من الخلة التي هي الحاجة أي فقيراً محتاجاً إليهم والأول أوجه.
{ ولولا أن ثبتناك } أي ثبتنا قلبك على الحق والرشد بالنبوة والعصمة والمعجزات وقيل بالألطاف الخفية { لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } أي ركوناً قليلاً والمعنى لقد قاربت أن تسكن إليهم بعض السكون وأن تميل إليهم ميلاً قليلاً فتعطيهم بعض ما سألوك يقال كدت أفعل كذا أي قاربت أن أفعله ولم أفعله وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله:
"وضع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلم به" قال ابن عباس: يريد حيث سكت عن جوابهم والله أعلم بنبيه.
ثم توعده سبحانه على ذلك لو فعله فقال { إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } أي لو فعلت ذلك لعذبناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات أي مثلي ما نعذب به المشرك في الدنيا ومثلي ما نعذب به المشرك في الآخرة لأن ذنبك يكون أعظم وقيل إن المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه والمعنى لأذقناك عذاب الدنيا وعذاب الآخرة عن أبان بن تغلب وأنشد قول الشاعر:

لِمَـقْتَلِ مالِكٍ إِذْ بـانَ سِنّي أبِيْتُ اللَّيْلَ فِي ضِعْفٍ ألِيم

أي عذاب قال ابن عباس رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم ولكن هذا تخويف لأمته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه { ثم لا تجد لك علينا نصيراً } أي ناصراً ينصرك وقال إنه لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً" عن قتادة.