التفاسير

< >
عرض

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
١٣
وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً
١٤
هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
١٥
وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً
١٦
-الكهف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل المدينة وابن عامر والأعشى والبرجمي عن أبي بكر مَرْفِقاً بفتح الميم وكسر الفاء والباقون مِرْفَقاً بكسر الميم وفتح الفاء.
الحجة: قال الزجاج وذكر قطرب وغيره اللغتين جميعاً في مرفق الأمر ومرفق اليد ومرفق اليد بالكسر أجود قال أبو الحسن مرفقاً أي شيئاً يرتفقون به مثل المقطع ونحوه ومرفقاً جعله اسماً مثل المسجد أو يكون لغة قال أبو علي قوله جعله اسماً أي جعل المرفق اسماً ولم يجعلوه اسم المكان ولا المصدر من رفق يرفق كما أن المسجد ليس باسم الموضع من سجد يسجد وقوله أو يكون لغة أو يجعله في اسم المصدر كما جاء المطلع ونحوه ولو كان على القياس لفتحت اللام.
اللغة: الشطط الخروج عن الحد بالغلو فيه وأصله مجاوزة الحد في البعد وشطت الجارية تشط شططاً وشطاطة إذا جاوزت الحد في الطول وأشط في السوم إذا جاوز القدر بالغلو فيه والاعتزال التنحي عن الأمر والتعزل بمعناه قال:

يا بيــت عاتِكَــةَ الَّتــِي أتَعَزَّلُ حَذَرَ الْعِدى وَبِهِ الْفُؤَادُ مُوَكَّلُ

وسمي عمرو بن عبيد وأصحابه معتزلة لما اعتزلوا حلقة الحسن.
الإعراب: كسر إنهم فتية على الاستئناف. إذ قاموا يتعلق بربطنا أي في الوقت الذي قاموا فيه وشططاً منصوب على المصدر. المعنى لقد قلنا قولاً شططاً وما يعبدون في موضع نصب عطفاً على الهاء والميم في اعتزلتموهم والمراد الأصنام التي يعبدونها من دون الله ويجوز أن تكون ما مصدرية أي وعبادتهم إلا عبادة الله فحذف المضاف والاستثناء على هذا من الهاء والميم وإن جعلت ما موصولة كان الاستثناء من مفعول يعبدون استثناء منقطعاً.
المعنى: ثم بيَّن سبحانه قصة أصحاب الكهف فقال: { نحن نقص عليك } أي نتلو عليك يا محمد { نبأهم } أي خبرهم { بالحق } أي بالصدق والصحة { إنهم فتية } أي أحداث وشباب { آمنوا بربهم وزدناهم هدى } أي بصيرة في الدين ورغبة في الثبات عليه بالألطاف المقوّية لدواعيهم إلى الإيمان وحكم لهم سبحانه بالفتوة لأن رأس الفتوة الإيمان.
وقيل: الفتوة بذل الندى وترك الأذى وترك الشكوى عن مجاهد. وقيل: هي اجتناب المحارم واستعمال المكارم.
{ وربطنا على قلوبهم } أي شددنا عليها بالألطاف والخواطر المقويّة للإيمان حتى وطَّنوا أنفسهم على إظهار الحق والثبات على الدين والصبر على المشاق ومفارقة الوطن { إذ قاموا } أي حين قاموا بين يدي ملكهم الجبار دقيانوس الذي كان يفتن أهل الإيمان عن دينهم { فقالوا } بين يديه { ربنا رب السماوات والأرض } أي ربنا الذي نعبده خالق السماوات والأرض { لن ندعوا من دونه إلهاً } أي لن نعبد إلهاً سواه معه { لقد قلنا إذا شططاً } معناه إن دعونا مع الله إلهاً آخر فلقد قلنا إذاً قولاً مجاوزاً للحق غاية في البطلان.
{ هؤلاء قومنا } أي أهل بلدنا { اتخذوا من دونه } أي من دون الله { آلهة } يعبدونها { لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن } أي هلا يأتون على عبادتهم غير الله بحجة ظاهرة وفي هذا ذم زجر للتقليد وإشارة إلى أنه لا يجوز أن يقبل دين إلا بحجة واضحة { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً } فزعم أن له شريكاً في العبادة.
{ وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } قال ابن عباس وهذا من قول تمليخا وهو رئيس أصحاب الكهف قال لهم فإذا فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانباً يعني عبدة الأصنام وفارقتم ما يعبدون أي أصنامهم إلا الله فإنكم لن تتركوا عبادته وذلك أن أُولئك كانوا يشركون بالله ويجوز أنه كان فيهم من يعبد الله مع عبادة الأصنام فقال إذا اعتزلتم الأصنام ولم تعتزلوا الله ولا عبادته فيكون الاستثناء متصلاً ويجوز أن يكون جميعهم كانوا يعبدون الأوثان من دون الله فيكون الاستثناء منقطعاً.
{ فأووا إلى الكهف } أي صيروا إليه واجعلوه مأواكم { ينشر لكم ربكم من رحمته } أي يبسط عليكم ربكم من نعمته { ويهيىء لكم من أمركم مرفقاً } أي ويسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه ويأتيكم باليسر والرفق واللطف عن ابن عباس وكلما ارتفقت فهو مرفق. وقيل: معناه ويصلح لكم من أمر معاشكم ما ترتفقون به وفي هذا دلالة على عظم منزلة الهجرة في الدين وعلى قبح المقام في دار الكفر إذا كان لا يمكن المقام فيها إلا بإظهار كلمة الكفر وبالله التوفيق.