التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
١١٨
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: اليقين والعلم والمعرفة نظائر في اللغة ونقيضه الشك والجهل وأيقِن وتيقن واستيقن بمعنى وقال صاحب العين اليقن اليقين قال:

وَمَا بِالَّذي أَبْصَرَتْهُ العُيُو ن مِنْ قَطْعِ يأس وَلا مِنْ يقَنْ

فاليقين علم يثلج به الصدر ولذلك يقال وجدت برد اليقين ولا يقال وجدت برد العلم.
الإعراب: لولا بمعنى هلا ولا تدخل إلا على الفعل ومعناها التحضيض قال:

تَعُدُّونَ عَقْرَ النّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُم بَني ضَوطَرى لَولاَ الكَمِيَّ المُقَنَّعا

أي هلا تعقرون الكمي المقنع والكاف في كذلك تتعلق بقال والجار والمجرور في موضع نصب على المصدر أي كقولـهم.
المعنى: لما بين سبحانه حالهم في إنكارهم التوحيد وادعائهم عليه اتخاذ الأولاد عقبه بذكر خلافهم في النبوات وسلوكهم في ذلك طريق التعنت والعناد فقال { وقال الذين لا يعلمون } وهم النصارى عن مجاهد واليهود عن ابن عباس ومشركو العرب عن الحسن وقتادة, وهو الأقرب لأنهم الذين سألوا المحالات ولم يقتصروا على ما ظهر واتضح من المعجزات وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً الآيات إلى آخرها ولأنه وصفهم بأنهم لا يعلمون فبين أنهم ليسوا من أهل الكتاب, ومن قال المراد به النصارى قال لأنه قال قبلها وقالوا اتخذ الله ولداً وهم الذين قالوا المسيح ابن الله وهذا لا دلالة فيه لأنه يجوز أن يذكر قوماً ثم يستأنف فيخبر عن قوم آخرين على أن مشركي العرب قد أضافوا أيضاً إلى الله سبحانه البنات فدخلوا في جملة من قال اتخذ الله ولداً.
وقولـه { لولا يكلمنا الله } أي هلا يكلمنا معاينة فيخبرنا بأنك نبي وقيل معناه هلا يكلمنا بكلامه كما كلم موسى وغيره من الأنبياء وقولـه { أو تأتينا آية } أي تأتينا آية موافقة لدعوتنا كما جاءت الأنبياء آيات موافقة لدعوتهم ولم يرد أنه لم تأتهم آية لأنه قد جاءتهم الآيات والمعجزات قولـه: { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولـهم } قيل هم اليهود حيث اقترحوا الآيات على موسى عن مجاهد لأنه حمل قولـه الذين لا يعلمون على النصارى, وقيل هم اليهود والنصارى جميعاً عن قتادة والسدي, وقيل سائر الكفار الذين كانوا قبل الإِسلام عن أبي مسلم.
{ تشابهت قلوبهم } أي أشبه بعضها بعضاً في الكفر والقسوة والاعتراض على الأَنبياء من غير حجة والتعنت والعناد كقول اليهود لموسى أرنا الله جهرة وقول النصارى للمسيح أنزل علينا مائدة من السماء وقول العرب لنبينا صلى الله عليه وسلم حوّل لنا الصفا ذهباً ولذلك قال الله سبحانه أتواصوا به وقولـه { فد بينا الآيات } يعني الحجج والمعجزات التي يعلم بها صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم { لقوم يوقنون } أي يستدلون بها من الوجه الذي يجب الاستدلال به فأيقنوا لذلك فكذلك فاستدلّوا أنتم حتى توقنوا كما أيقن أولئك والمعنى فيه أن فيما ظهر من الآيات الباهرات الدالة على صدقه كفاية لمن ترك التعنت والعناد, فإن قيل لم لم يؤتوا الآيات التي اقترحوها لتكون الحجة عليهم آكد؟ قلنا الاعتبار في ذلك بالمصالح ولو علم الله سبحانه أن في إظهار ما اقترحوه من الآيات مصلحة لأظهرها فلما لم يظهرها علمنا أنه لم يكن في إظهارها مصلحة.