التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
١١
أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ
١٢
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ الكسائي قُيل وغُيض وسُئ وسُيئت وحُيل وسُيق وجُيء بضم أوائل ذلك كله وروي عن يعقوب مثل ذلك ووافقهما نافع في سيء وسيئت وابن عامر فيهما وفي حيل وسيق والباقون يكسون كلها.
الحجة: في هذه كلها ثلاث لغات الكسر وإشمام الضم, وقول بالواو فأما قيل بالكسر فعلى نقل حركة العين إلى الفاء لأن أصله قول ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار بما قبلها وهو قياس مطرد في كل ما اعتلَّت عينه وأما الإشمام فلأجل الدلالة على الأصل مع التخفيف.
اللغة: الإفساد إحداث الفساد وهو كل ما تغير عن استقامة الحال والصلاح نقيض الفساد والأرض مستقر الحيوان ويقال لقوائم الفرس أرض لأنه يستقر عليها قال:

إِذَا مَا اسْتَحَمَّتْ أَرْضُهُ مِنْ سَمائِهِ جَرَى وَهْوَ مَوْدُوعٌ وَوَاعِدُ مُصَدَقِ

الأعراب: إذا لفظة وضعت للوقت بشرط أن يكون ظرفاً زمانياً وفيها معنى الشرط وإنما يعمل فيها جوابها, ففي هذه الآية إذا في محل نصب لأنه ظرف قالوا لأنه الجواب ولا يجوز أن يعمل فيه, قيل لهم لأن إذا في التقدير مضاف إلى قيل والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وكذلك قولـه: { { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا } [البقرة: 14] وإذا مبني وإنما بني لتضمّنه معنى في ولزومه إياه وقد يكون إذا ظرفاً مكانياً في نحو قولك خرجت فإذا الناس وقوف أي ففي المكان الناس وقوف ويجوز أن ينصب وقوفاً على الحال لأن ظرف المكان يجوز أن يكون خبراً عن الجثة, وقيل مبني على الفتح وكذلك كل فعل ماض فمبني على الفتح, ولا حرف نهي وهي تعمل الجزم في الفعل, وتُفْسدوا مجزوم بلا وعلامة الجزم فيه سقوط النون, والواو ضمير الفاعلين, وما في قولـه إنما كافة كفّت إنّ عن العلم فعاد ما بعدها إلى ما كان عليه في الأصل من كونه مبتدأً وخبراً وهو قولـه نحن مصلحون فنحن مبتدأ ومصلحون خبره وموضع الجملة نصب بقالوا كما تقول قلت حقاً أو باطلاً ونحن مَبنّية لمشابهتها للحروف وبنيت على الضم لأنها من ضمائر الرفع والضمة علامة الرفع لأنها ضمير الجمع والضمة بعض الواو علامة الجمع في نحو ضاربون ويضربون وقولـه: { لا تُفسدوا في الأرض } جملة في موضع رفع على تقدير قيل لهم شيء فهي اسم ما لم يسمَّ وقولـه إلا كلمة تنبيه وافتتاح للكلام تدخل على كل كلام مكتف بنفسه نحو قولـه إلا أنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وأصله لا دخل عليه ألف الاستفهام والألف إذا دخل على الجحد أخرجه إلى معنى التقرير والتحقيق كقولـه { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } [القيامة: 40] لأنه لا يجوز للمجيب إلا الإقرار ببلى وهم في إنَّهم في موضع نصب بإنّ وهم الآخر يجوز أن يكون فصلاً على ما فسرناه قبل ويجوز أن يكون مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إنّ وضم الميم من هم لالتقاء الساكنين ردّوه إلى الأصل.
النزول: الآية نزلت في المنافقين الذين نزلت فيهم الآيات المتقدمة وروي عن سلمان رضي الله عنه أن أهل هذه الصفة لم يأتوا بعد والأول يقتضيه نظم الكلام ويجوز أن يراد بها من صورتهم صورة هؤلاء فيكون قول سلمان محمولاً على أنه راد بعد انقراض المنافقين الذين تناولتهم الآية.
المعنى: المراد وإذا قيل للمنافقين لا تُفسدوا في الأرض بعمل المعاصي وصدّ الناس عن الإيمان على ما روي عن ابن عباس أو بممالأة الكفار فإن فيه توهين الإسلام على ما قاله أبو علي, أو بتغيير الملة وتحريف الكتاب على ما قاله الضحاك, قالوا إنما نحن مصلحون وهو يحتمل أمرين أحدهما أنّ الذي يسمّونه فساداً هو عندنا صلاح لأنا إنما نفعل ذلك كي نسلم من الفريقين والآخر أنهم جحدوا ذلك وقالوا إنا لا نعمل بالمعاصي ولا نمالئ الكفار ولا نحرف الكتاب وكان ذلك نفاقاً منهم كما قالوا { آمنا بالله } ولم تؤمنوا ثم قال { ألا إنهم } أي اعلموا أن هؤلاء المنافقين الذين يعدّون الفساد صلاحاً { هم المفسدون } وهذا تكذيب من الله تعالى { ولكن لا يشعرون } أي لا يعلمون أن ما يفعلونه فسادٌ وليس بصلاح ولو علموا ذلك لرجي صلاحهم وقيل لا يعلمون ما يستحقونه من العقاب وهذه الآية تدل على بطلان مذهب أصحاب المعارف لقولـه: { لا يعلمون } وإنما جاز تكليفهم وإن لم يشعروا أنهم على ضلال لهم طريقاً إلى العلم بذلك.