التفاسير

< >
عرض

كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ
١٥١
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الإرسال التوجيه بالرسالة والتحميل لها ليؤدي إلى من قصد والتلاوة ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظام متسق وأصله من الاتباع ومنه تلاه أي تبعه والتزكية النسبة إلى الازدياد من الأفعال الحسنة التي ليست بمشوبة ويقال أيضاً على معنى التعريض لذلك بالاستدعاء إليه واللطف فيه يقال زكى فلان فلاناً إذا أطراه ومدحه وزكاه حمله على ما له فيه الزكاء والنماء والطهارة والقدس والحكمة هي العلم الذي يمكن به الأفعال المستقيمة.
الإعراب: ما في قولـه كما أرسلنا مصدرية فكأنه قال كإرسالنا فيكم ويحتمل أن يكون كافة كما قال الشاعر:

أَعَلاَقَةً أُمَّ الوُلـَــيْدِ بَعدَ مَـــا أَفْنَانُ رَأَسِكَ كَالثَّغَامِ المُخلِسِ

فإنه يجوز كما زيد محسن إليك فأحسن إلى أسبابه والعامل في الكاف من قولـه كما يجوز أن يكون الفعل الذي قبله وهو قولـه ولأتم نعمتي عليكم فعلى هذا لا يوقف عند قولـه ولعلكم تهتدون ويكون الوقف عند قولـه ما لم تكونوا تعلمون ويجوز أن يكون الفعل الذي بعده وهو قولـه فاذكروني أذكركم وعلى هذا يوقف عند قولـه تهتدون ويبتدأ بقولـه كما أرسلنا ولا يوقف عند قولـه تعلمون, والأول: أحد قولي الزجاج واختيار البجائي, والثاني: قول مجاهد والحسن وأحد قولي الزجاج, وقولـه منكم في موضع نصب لأنه صفة لقولـه رسولاً وكذلك قولـه يتلو وما بعده في موضع الصفة.
المعنى: قولـه { كما أرسلنا } التشبيه فيه على القول الأول معناه أن النعمة في أمر القبلة كالنعمة بالرسالة لأن الله تعالى لطف لعباده بها على ما يعلم من المصلحة ومحمود العاقبة, وأما على القول الثاني فمعناه في بعثة الرسول منكم إليكم نعمة عليكم لأنه يحصل لكم به عزّ الرسالة فكما أنعمت عليكم بهذه النعمة العظيمة فاذكروني واشكروا لي واعبدوني أنعم عليكم بالجزاء والثواب والخطاب للعرب على قول جميع المفسرين وقولـه: { رسولاً } يعني محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن لتتبع رسولاً يبعث إليهم من غيرهم مع نخوتهم وعزتهم في نفوسهم فكون الرسول منهم يكون أدعى لهم إلى الإيمان به واتباعه.
وقولـه: { يتلوا عليكم آياتنا } أراد بها القرآن { ويزكيكم } ويعرضكم لما تكونون به أزكياء من الأمر بطاعة الله واتباع مرضاته ويحتمل أن يكون معناه ينسبكم إلى أنكم أزكياء بشهادته لكم بذلك ليعرفكم الناس به { ويعلمكم الكتاب والحكمة } الكتاب القرآن والحكمة هي القرآن أيضاً جمع بين الصفتين لاختلاف فائدتهما كما يقال الله العالم بالأمور كلها القادر عليها وقيل أراد بالكتاب القرآن وبالحكمة الوحي من السنة وما لا يعلم إلاّ من جهته من الأحكام وقولـه { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } أي ما لا سبيل لكم إلى علمه إلا من جهة السمع فذكرهم الله بالنعمة فيه ويكون التعليم لما عليه دليل من جهة العقل تابعاً للنعمة فيه ولا سيما إذا وقع موقع اللطف.