التفاسير

< >
عرض

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ
١٩٣
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الدين هاهنا الإذعان بالطاعة كما في قول الأعشى:

هُوَ دانَ الرِّبابَ إذْ كَرِهُوا الديّـ ـنَ دِراكاً بِغَزْوَةٍ وصِيالِ

وقيل هو الإسلام وأصل الدين العادة قال الشاعر:

تَقُوْلُ إِذا دَرَأْتُ لَـها وَضيْنِي أَهذَا دِينُهُ أَبَــــداً وَدينـــيْ

وقد استعمل بمعنى الطاعة في قولـه { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } [يوسف: 76] وبمعنى الإسلام في قولـه { إن الدين عند الله الإسلام } [آل عمران: 19] لأن الشريعة يجب أن يجري فيها على عادة مستمرة.
المعنى: ثم بيّن تعالى غاية وجوب القتال وقال يخاطب المؤمنين { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } أي شرك عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وهو المروي عن الصادق (ع) { ويكون الدين لله } وحتى تكون الطاعة لله والانقياد لأمر الله وقيل حتى يكون الإسلام لله أي حتى لا يبقى الكفر ويظهر الإسلام على الأديان كلـها { فإن انتهوا } أي امتنعوا من الكفر وأذعنوا للإسلام { فلا عدوان إلا على الظالمين } أي فلا عقوبة عليهم وإنما العقوبة بالقتل على الكافرين المقيمين على الكفر فسمي القتل عدواناً من حيث كان عقوبة على العدوان وهو الظلم كما قال
{ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } [البقرة: 194] و { جزاء سيئة سيئة مثلـها } [الشورى: 40] و { إن عاقبتم فعاقبوا } [النحل: 126] وحسن ذلك لازدواج الكلام والمزاوجة هنا إنما حصلت في المعنى لأن التقدير فإن انتهوا عن العدوان فلا عدوان إلا على الظالمين، وهذا الوجه مروي عن قتادة والربيع وعكرمة. وقيل معنى العدوان الابتداء بالقتال، عن مجاهد والسدي. وهذه الآية ناسخة للأولى التي تضمنت النهي عن القتال في المسجد الحرام حتى يبدأوا بالقتال فيه لأن فيها إيجاب قتالـهم على كل حال حتى يدخلوا في الإسلام عن الحسن والجبائي، وعلى ما ذكرناه في الآية الأولى عن ابن عباس أنها غير منسوخة فلا تكون هذه الآية ناسخة بل تكون مؤكدة وقيل بل المراد بها أنّهم إذا ابتدأوا بالقتال في الحرم يجب مقاتلتهم حتى يزول الكفر.