التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٢٣٤
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: روي في الشواذ عن علي (ع) يَتوفون بفتح الياء.
الحجة: قال ابن جني هو على حذف المفعول أي الذين يتوفون أيامهم أو آجالـهم وأعمارهم وحذف المفعول به كثير في القرآن وفصيح الكلام إِذا كان هناك دليل عليه كما قال الله { وأُوتيت من كل شيء } أي: شيئاً قال الحطيئة:

مُنَعَّمَةٌ تَصُوْنُ إِلَيْكَ مِنْهَــا كَصَوْنِكَ مِنْ رِداءٍ شَرْعَبيِّ

أي تصون الكلام منها وتوفيت الشيء استوفيته أخذته وافياً.
اللغة: يذر ويدع يترك ولا يستعمل منهما الماضي استغني عنه بِتَرَكَ، والعلة في ذلك أنهم تركوا الواوات في أول الكلمة حتى أنهم لم يلحقوها أولاً على جهة الزيادة أصلاً والأجل غاية الوقت في محلّ الدين ونحوه لتأخيره إلى ذلك الوقت والآجل نقيض العاجل لتأخره عن وقت غيره وفعلـه من أجل كذا أي لعاقبة كذا وهي متأخرة عن وقت الفعل الذي دعت إليه والقطيع من بقر الوحش يسمى أجلاً وقد تأَجّل الصُوار أي صار أَجْلا لتأخر بعضه عن بعض وأَجَلَ عليهم شراً أَجْلاً أي جناه لأنه أعقبهم شراً والآجلة الآخرة والعاجلة الدنيا والخبير العالم بمخبر الخبر وأصلـه من السهولة والخَبار الأرض السهلة وأخبرت بالشيء لأنه تسهيل لطريق العلم به والخبير الأكّار والمخابرة المؤاكرة وهو أن يزرع على النصف أو الثلث أو نحوه وذلك لتسهيل الزراعة.
الإِعراب: الذين مرتفع بالابتداء ويتوفون صلته ومنكم في موضع النصب على الحال من الواو في يتوفون ويذرون أزواجاً عطف على الصلة فهو أيضاً من الصلة ويتربّصن وما بعده خبر المبتدأ، وإِذا كان خبر المبتدأ لا يخلو من أن يكون هو هو أو يكون لـه فيه ذكر فلا يجوز أن يكون هذا الظاهر على الذي هو عليه لخلوّه من ضربي خبر الابتداء وقد قيل فيه أقوال أحدها: إن تقدير خبر المبتدأ يتربصن بعدم لأن المعنى يتربصن أزواجهم بعدهم أربعة أشهر وعشراً وجاز حذف هذا الذي يتعلق به الراجع إلى المبتدأ كما جاز ذلك في قولـهم السمن منوان بدرهم والمعنى على منوان منه بدرهم عن الأخفش والثاني: أن يكون تقديره أزواجهم بتربصن عن أبي العباس المبرد فالمحذوف على هذا هو المبتدأ الذي هو أزواجهم وساغ هذا الحذف لقيام الدلالة عليه كما يسوغ حذف المفرد إذا قامت الدلالة عليه وقيام الدلالة على المضاف أن الأزواج قد تقدم ذكرهن فساغ إضمارهن وحسن، وأما حذف المضاف إليه فلاقتضاء المبتدأ الراجع إليه وقد جاء المبتدأ مضافاً محذوفاً كما جاء المفرد وذلك قولـه تعالى:
{ { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } [آل عمران: 196] أي تقلبهم متاع قليل والثالث: أن يكون تقديره يتربصن أزواجهن ثم كنى عن الأزواج عن الكسائي وإنما قال { وعشراً } بالتأنيث تغليباً لليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ لأن ليلة كل يوم قبلـه كما قيل لخمس بقين وقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي وأنشد سيبويه:

فَطافَتْ ثَلاثاً بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَكُوْنُ النَكيِرُ أَنْ تُضِيْفَ وَتَجْأَرا

فيما فعلن ما مع صلته في موضع الجر بفي وقولـه بالمعروف الجار والمجرور في موضع النصب على الحال.
المعنى: لما بين عدة المطلقات بيّن عدة الوفاة فقال { والذين يتوفون منكم } أي يُقبضون ويموتون { ويذرون } أي يتركون { أزواجاً } أي نساء { يتربصن بأنفسهن } أي ينتظرن انقضاء العدة ويحبسن أنفسهن عن التزويج معتدات { أربعة أشهر وعشراً } أي وعشر ليال وعشرة أيام وهذه عدة المتوفى عنها زوجها سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول بها حرة كانت أو أمة فإن كانت حبلى فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل أو مضي أربعة أشهر وعشر، ووافقنا في عدة الامة الأصم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقالوا عدتها نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام وإِليه ذهب قوم من أصحابنا وقالوا في عدة الحامل أنها بوضع الحمل وإِن كان بعدُ على المغتسل وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وأبي مسعود البدري وأبي هريرة. وعندنا أن وضع الحمل يختص عدة المطلقة والذي يجب على المعتدة في عدة الوفاة اجتنابه هو الزينة والكحل بالإثمد وترك النُقلة عن المنزل عن ابن عباس والزهري والامتناع من التزوج لا غير عن الحسن وإحدى الروايتين عن ابن عباس وعندنا أن جميع ذلك واجب { فإذا بلغن أجلـهن } أي آخر العدة بانقضائها { فلا جناح عليكم } قيل إنه خطاب للأَولياء وقيل لجميع المسلمين لأنه يلزمهم منعها عن التزوج في العدة وقيل معناه لا جناح على النساء وعليكم { فيما فعلن في أنفسهن } من النكاح واستعمال الزينة التي لا ينكر مثلـها وهذا معنى قولـه { بالمعروف } وقيل معنى قولـه بالمعروف ما يكون جائزاً وقيل معناه النكاح الحلال عن مجاهد { والله بما تعملون خبير } أي عليم وهذه الآية ناسخة لقولـه { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً } وصية لأزواجهم متاعاً إِلى الحول غير إحراج وإن كانت متقدمة في التلاوة عليه.