التفاسير

< >
عرض

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ
٢٤
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: إن حرف شرط و لم حرف يدخل على الفعل المضارع فينفيه ويجعله بمعنى الماضي ويعمل فيه الجزم وتفعلوا فعل وفاعل وهو مجزوم بلم وعلامة الجزم فيه سقوط النون ولم تفعلوا في موضع جزم أيضاً بأن ولن يدخل على الفعل المضارع فيخصه بالاستقبال وينفيه ويعمل فيه النصب وعلامة النصب في تفعلوا سقوط النون أيضاً وقال سيبويه في لن زعم الخليل أنها لا أن ولكنهم حذفوا لكثرته في كلامهم كما قالوا وَيْلُمِهّ وجعلت بمنزلة حرف واحد كما جعلوا هلا بمنزلة حرف واحد وإنما هي هل ولا قال وهذا ليس بجيد لأنه لو كان كذلك لم يجز زيداً لن أضرب وأقول أن معنى هذا القول هو أنه لو كان أصل لن لا أن وما بعد أن يكون صلة لها ولا يجوز تقديم معمول ما في الصلة على الموصول فكان يجب أن لا يجوز تقديم زيداً في قولك لن أضرب زيداً على لن كما لم يجز تقديمه على أن فلا تقول زيداً أن أضرب مزيداً لا أن أضرب ولا خلاف بين النحويين في جواز التقديم هناك وقولـه: { ولن تفعلوا } لا موضع له من الإعراب لأنه اعتراض وقع بين الشرط والجزاء كما يقع بين المبتدأ والخبر في قولك زيد فافهم ما أقول لك عالم والاعتراض غير واقع موقع المفرد فيكون له موضع إعراب.
المعنى: { فإن لم تفعلوا } أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه وأعوانكم وتَبيّن لكم عجزكم وعجز جميع الخلق عنه وعلمتم أنه من عندي فلا تقيموا على التكذيب به ومعنى { ولن تفعلوا } أي ولن تأتوا بسورة مثله أبداً لأن لن تنفي على التأبيد في المستقبل وفيه دلالة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه يتضمن الإخبار عن حالهم في مستقبل الأوقات بأنهم لا يأتون بمثله فوافق المخبر عنه الخبر وقولـه: { فاتقوا النار } أي فاحذروا أن تصلوا النار بتكذيبكم, وإنما جاز أن يكون قولـه: { فاتقوا النار } جواب الشرط مع لزوم اتقاء النار كيف تصرفت الحال لأنه لا يلزمهم الإتقاء إلا بعد التصديق بالنبوة ولا يصح العلم بالنبوة إلا بعد قيام المعجزة فكأنه قال: { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } فقد قامت الحجة ووجب اتقاء النار التي { وقودها } أي حطبها { الناس والحجارة } وهي جمع حجر وقيل إنها حجارة الكبريت لأنها أحرُّ شيء إذا أحميت عن ابن مسعود وابن عباس والظاهر أن الناس والحجارة وقود النار أي حطبها يريد بها أصنامهم المنحوتة من الحجارة كقولـه تعالى:
{ { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] وقيل ذكر الحجارة دليل على عظم تلك النار لأنها لا تأكل الحجارة إلا وهي في غاية الفظاعة والهول وقيل معناه إن أجسادهم تبقى على النار بقاء الحجارة التي توقد بها النار بتبقية الله إياها ويؤيد ذلك قولـه: { { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } [النساء: 56].
وقيل معناه إنهم يعذبون بالحجارة المحمية بالنار وقولـه تعالى: { أعدت للكافرين } معناه خلقت وهُيّئت للكافرين لأنهم الذين يخلدون فيها ولأنهم أكثر أهل النار فأضيفت إليهم وقيل إنما خص النار بكونها معدة للكافرين وإن كانت معدة للفاسقين أيضاً لأنه يريد بذلك ناراً مخصوصة لا يدخلها غيرهم كما قال:
{ { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } [النساء: 145] وهذه الآية تدلّ على بطلان قول من حرم النظر والحجاج العقلي لأن الله عز اسمه احتج على الكفار بما ذكره في هذه الآية وألزمهم به تصديق نبيه عليه الصلاة والسلام وقَرّرهم بأن القرآن كلامه إذ قال إن كان هذا القرآن كلام محمد فأتوا بسورة من مثله لأنه لو كان كلام البشر لتهيأ لكم مع تقدمكم في البلاغة والفصاحة الإتيان بمثله أو بسورة منه مع قوة دواعيكم إليه فإذا لم يتأتَ َلكم ذلك فاعلموا بعقولكم أنه كلام الله تعالى وهذا هو المراد بالاحتجاج العقلي واستدل بقولـه: { أعدّت للكافرين } على أن النار مخلوقة الآن لأن المعدّ لا يكون إلا موجوداً وكذلك الجنة بقولـه: { أعدّت للمتقين } والفائدة في ذلك أنّا وإن لم نشاهدهما فإن الملائكة يشاهدونهما وهم من أهل التكليف والاستدلال فيعرفون ثواب الله للمتقين وعقابه للكافرين.