التفاسير

< >
عرض

فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٢٥١
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو جعفر ونافع ويعقوب دفاع الله بالألف وفي الحج مثلـه وقرأ الباقون بغير ألف.
الحجة: قال أبو علي دفاع يحتمل أمرين أحدهما أن يكون مصدر الفعل كالكتاب واللقاء ونحو ذلك الثاني أن يكون مصدراً لِفاعَلَ ويدل عليه قراءة من قرأ أن الله يدافع عن الذين آمنوا وكان معنى دفع ودافع سواء ألا ترى إلى قولـه:

وَلَقَدْ حَرَصْتُ بِأنْ أُدافِعَ عَنْهُم فَإذَا الْمَنيَّةُ أقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ

كأن المعنى حرصت بأن أدفع عنهم المنية والمَنيّة لا تدفع فوضع أدافع موضع أدفع فإذا كان كذلك فيدفع ويدافع متقاربان.
اللغة: الـهَزْم الدفع يقال هزم القوم في الحرب يَهزِمُهم هَزْماً إذا دفعهم بالقتال هَرَباً منه فانهزموا انهزاماً وتهزم السِقاءُ إذا يَبِس فتصدع لاندفاع بعضه عن بعض والاهتزام الذبح يقال اهتزم شاتك قبل أن تهزم فتهلك لدفع ضياعها بتذكيتها وأصل الدفع الصرف عن الشيء والدفاع السيل والدفعة اندفاع الشيء جملة.
المعنى: ثم ذكر سبحانه تمام القصة فقال: { فهزموهم } ولا بد من حذف هنا كأنه لما قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً قال فاستجاب لـهم ربهم فهزموهم بنصره أي دفعوهم وكسروهم لأن ذكر الـهزيمة بعد سؤال النصرة دليل على معنى الإجابة ومعنى هزموهم سبَبَّوا لـهزيمتهم بأن فعلوا ما ألجأهم إليها فعلى هذا يكون حقيقة، وقال أبو علي الجبائي: ذلك مجاز لأنهم لم يفعلوا هزيمتهم كما يقال أخرجه من منزلـه إذا ألجأه إلى الخروج ولم يفعل خروجه والصحيح الأول وقولـه: { بإذن الله } أي بأمر الله وقيل بعلم الله: { وقتل داود جالوت }.
القصة: وكان من قصة داود على ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم عن الصادق (ع) أن الله أوحى إلى نبيهم أن جالوت يقتلـه من يستوي عليه درع موسى وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب واسمه داود بن إيشا راع وكان لإيشا عشرة بنين أصغرهم داود فلما بعث الله طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى إيشا بأن أحضر ولدك فلما حضروا دعا واحداً من ولده فألبسه درع موسى فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لإيشا هل خلفت من ولدك أحداً قال نعم أصغرهم تركته في الغنم يرعاها فبعث إليه فجاء به فلما دعي أقبل ومعه مِقلاعٌ قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه يا داود خذني فأخذها في مِخلاته وكان حجر الفيروزج وكان داود شديد البطش شجاعاً قوياً في بدنه فلما جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه قال فجاء داود فوقف حذاء جالوت وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التاج وفي جبهته ياقوتة تلمع نوراً وجنوده بين يديه فأخذ داود حجراً من تلك الأحجار فرمى به في ميمنة جالوت ووقع عليهم فانهزموا وأخذ حجراً آخر فرمى به في ميسرة جالوت فانهزموا ورمى بالثالث إلى جالوت فأصاب موضع الياقوتة في جبهته ووصلت إلى دماغه ووقع إلى الأرض ميتاً.
وقيل إن جالوت طلب البراز فخرج إليه داود فرماه بحجر من مقلاع فوقع بين عينيه وخرج من قفاه وأصاب جماعة كثيرة من أهل فقتلـهم وانهزم القوم عن آخرهم عن وهب وغيره من المفسرين.
{ وآتاه الله الملك } أي واعطاه الملك بعد قتل داود جالوت بسبع سنين عن الضحاك: { والحكمة } قيل النبوة ولم يكن نبياً قبل قتل جالوت فجمع الله لـه الملك والنبوة عند موت طالوت في حالة واحدة لأنه لا يجوز أن يترأس من ليس بنبي لأنه قلب ما توجبه الحكمة لأن النبي يوثق بظاهره وباطنه ولا يخبر إلا بحق ولا يدعو إلا إلى حق فليس كذلك من ليس بنبي عن الحسن، وقيل يجوز ذلك إذا كان يفعل ما يفعل بأمره ومشورته: { وعلمه مما يشاء } معناه وعلمه أمور الدين وما شاء من أمور الدنيا منها صنعة الدروع فإنه كان يلين لـه الحديد كالشمع وقيل الزبور والحكم بين الناس وكلام الطير والنمل وقيل الصوت الطيب والألحان.
{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها: لولا دفع الله بجنوده المسلمين الكفار ومعّرتهم لغلبوا وخربوا البلاد عن ابن عباس ومجاهد. والثاني: معناه يدفع الله بالبَرّ عن الفاجر الـهلاك عن علي وقتادة وجماعة من المفسرين ومثلـه ما رواه جميل عن أبي عبد الله قال: إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يُصلّي منهم ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لـهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يُزكّي من شيعتنا عمن لا يُزكّي منهم ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لـهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج منهم ولو اجتمعوا على ترك الحج لـهلكوا، وقريب من معناه ما روي عن النبي أنه قال:
" لولا عباد الله رُكَّع وصبيان رُضَّع وبهائم رتع لَصُبّ عليكم العذاب صَبّاً" وروى جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: " إن الله يصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم" " والثالث: إن في معنى قول الحسن ما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن لأن من يمتنع عن الفساد لخوف السلطان أكثر ممن يمتنع منه لأجل الوعد والوعيد الذي في القرآن: { ولكن الله ذو فضل على العالمين } أي ذو نعمة عليهم في دينهم ودنياهم.