التفاسير

< >
عرض

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢٦٦
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الجنة البستان الكثير الشجر لأن الشجر يجنّه بكثرته فيه والنخيل معروف وقيل إنه مأخوذ من نخلِ المُنْخُل لاستخلاصه كاستخلاص اللباب بالنخل والنخل جمع نخلة وهي شجرة التمر ويذكر ويؤنث قال الله سبحانه { { كأنهم أعجاز نخل خاوية } [الحاقة: 7] و { أعجاز نخل منقعر } [القمر: 20] والانتخال الاختيار والتنخل التخير وأصل الباب النخل للدقيق والعنب ثمر الكرم ورجل عانب وعنب ورجل عُناب عظيم الأنف وتحت نقيض فوق وفي الحديث: " لا تقوم الساعة حتى يظهر التحوت" " أي الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يشعر بهم ذلاً، والأنهار جمع النهر وهو المجرى الواسع من مجاري الماء، والإصابة الوقوع على المقصد، والكبر حال زائدة على مقدار آخر والفرق بين الكبير والكثير أن الكثير مُضمّن بعدد وليس كذلك الكبير تقول دار واحدة كبيرة ولا يجوز كثيرة والضعيف يجمع على ضعفاء وضعاف والإعصار غبار يلتف بين السماء والأرض كالتفاف الثوب في العصر قال الشاعر:

إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصارا

والمعصرات السحب والفكر جولان القلب بالخواطر يقال أفكر وفكر وتفكر بمعنى.
الإعراب: قولـه { أيود أحدكم أن تكون } عطف عليه بماض فقال { وأصابه الكبر } قال الفراء يجوز ذلك في يود لأنها تتلقى مرة بلو ومرة بأن فجاز أن تقدر إحداهما مكان الأخرى لاتفاق المعنى فكأنه قال أيود أحدكم لو كانت لـه جنة. قال علي بن عيسى: وعندي أنه قد دلّ بأن على الاستقبال ويتضمن الكلام معنى لو على التمني كأنه قال قيل أيحب أحدكم متمنياً لـه والتمني يقع على الماضي والمستقبل والفرق بين المودة والمحبة أن المودة قد تكون بمعنى التمني نحو قولك أودّ لو قدم زيد بمعنى أتمنى لو قدم ولا يجوز أحب لو قدم ومِنْ في قولـه { من نخيل } للتبيين وهو في موضع رفع صفة لجنة. { تجري من تحتها الأنهار } جملة في موضع رفع بكونها صفة لجنة إذا عادت الـهاء إلى الجنة أو في محل جر لكونها صفة لنخيل إذا عادت الـهاء إلى نخيل.
المعنى: { أيودّ أحدكم أن تكون لـه جنة } أي بستان { من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار } أي يشتمل على النخيل والأعناب والأنهار الجارية: { لـه فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر } أي ولحقه الشيخوخة وطعن في السن: { ولـه ذرية ضعفاء } أي أولاد صغار ناقصو القوة: { فأصابها } أي أصاب تلك الجنة { إعصار } أي ريح شديدة تهُبُّ من الأرض نحو السماء مثل العمود وتسميها الناس الزوْبَعة: { فيه نار } أي في ذلك الإعصار نار: { فاحترقت } تلك الجنة وهذا مثل ضربه الله في الحسرة بسلب النعمة واختلف فيه على وجوه أحدها: أنه مثل المرائي في النفقة لأنه ينتفع بها عاجلاً وينقطع عنه آجلاً أحوج ما يكون إليه عن السدي وثانيها: أنه مثل للمفرّط في طاعة الله تعالى بملاذ الدنيا يحصل في الآخرة على الحسرة العظمى عن مجاهد، والمراد به أن حاجته إلى الأعمال الصالحة كحاجة هذا الكبير الذي لـه ذرية ضعفاء إلى ثمار الجنة وقد احترقت فيكون أعظم حسرة لأن الكبير الذي قد يئس من سعي الشباب في كسبه فكان أضعف أملاً وأشد حسرة كذلك من لم يكن لـه في الآخرة عمل صالح يوصلـه إلى الجنة فحسرته مثل ذلك وثالثها: أنه مثل للذي يختم عملـه بفساد عن ابن عباس وكل هذه الوجوه تحتملـه الآية: { كذلك } أي كهذا البيان الذي بيّن لكم في أمر الصدقة وقصة إبراهيم والذي مرّ على قرية وجميع ما سلف: { يبين الله لكم الآيات } أي الدلالات التي تحتاجون إليها في أمور دينكم: { لعلكم تتفكرون } أي تنظرون وتتفهمون.