القراءة: قرأ ابن كثير آدم بالنصب و كلمات بالرفع وقرأ الباقون برف آدم ونصب كلمات.
الحجة: حجة ابن كثير في نصب آدم أنه في المعنى كالقراءة الأخرى فإن الأفعال المتعدية على ثلاثة أضرب منها ما يجوز فيه أن يكون الفاعل له مفعولاً به والمفعول فاعلاً نحو ضرب زيد عمرو, أو منها ما لا يجوز ذلك فيه نحو أكلت الخبز, ومنها ما يكون إسناده إلى الفاعل في المعنى كإسناده إلى المفعول به نحو نلت وأصبت وتلقيت تقول نالني خير ونلت خيراً وأصابني شيء وصبت شيئاً وتلقاني زيد وتلقيت زيدًا ومثل هذه الآية قولـه تعالى: { { لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة: 124] وفي حرف عبد الله فيما قيل: { لا ينال عهدي الظالمون }
اللغة: التلقي نظير التلقن يقال تلقيت منه أي أخذت وقبلت وأصله من لقيت خيراً فتعدى إلى مفعول واحد ثم يعدّى إلى مفعولين بتضعيف العين نحو لَقّيت زيداً خيرا كقولـه تعالى: { { ولقّاهم نضرة وسروراً ومطاوعة } [الإنسان: 11] تلقيته بالقبول أي قبلته منه ومن ذلك قول أبي مهدية في آيات من القرآن تلقيتها من عمّي تلقاها من أبي هريرة تلقاها من رسول الله وتلقيت الرجل استقبلته وتلقاني استقبلني وكلمات جمع والكلمة اسم جنس لوقوعها على الكثير من ذلك والقليل قالوا قال امرؤ القيس في كلمته يعنون في قصيدته, وقال قُسٌّ في كلمته يعنون خطبته فقد وقعت على الكثير وقيل لكل واحد من الكلم الثلاث كلمة فوقعت على القليل من الاسم المفرد والفعل المفرد المفرد والحرف المفرد, وأما الكلام فإن سيبويه قد استعمله فيما كان مؤلّفاً من هذه الكلم وعلى هذا جاء التنزيل قال الله تعالى: { { يريدون أن يبدّلوا كلام الله } [الفتح: 15] يعني به قولـه تعالى: { { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً } [التوبة: 83] ألا ترى إلى قولـه كذلكم قال الله من قبل يقال كلّمه تكليماً وكلاماً وتكلم تكلماً والكلم الجرح يقال كلمته أكلمه وأصل الباب التأثر والكلم أثر دال على الجارح والكلام أثر دال على المعنى الذي تحته.
والذي حرره المتكلمون في حد الكلام هو أنه ما انتظم من حرفين فصاعداً من هذه الحروف المعقولة إذا وقع ممن يصح منه أو من قبيله الإفادة, وقال بعضهم هو ما انتظم من الحروف المسموعة المتميزة ليتميز من الكتابة التي ليست بمسموعة ويتميز من أصوات كثير من الطيور لأنها ليست بمتميزة وينقسم الكلام إلى مهمل ومستعمل وإنما أراد سيبويه بقولـه إن المهمل لا يكون كلاماً أنه لا يكون مفيداً إذ الكلام عنده لا يقع إلا على المفيد وبه قال أبو القاسم البلخي, والتوبة والإقلاع والإنابة في اللغة نظائر وضد التوبة الإصرار والله تعالى يوصف بالتوّاب ومعناه أنه يقبل التوبة عن عباده وأصل التوبة الرجوع عما سلف والندم على ما فرّط فالله تعالى على العبد بقبول توبته والعبد تائب إلى الله تعالى بندمه على معصيته.
المعنى: قولـه { فتلقى آدم } أي قبل وأخذ وتناول على سبيل الطاعة { من ربه } ورب كل شيء { كلمات } وأغنى قولـه فتلقى عن أن يقول فرغت إلى الله بهن أو سأله بحقهن لأن معنى التلقي يفيد ذلك وينبئ عما حذف من الكلام اختصاراً ولهذا قال تعالى: { فتاب عليه } لأنه لا يتوب عليه إلا بأن سأل بتلك الكلمات وعلى قراءة من قرى فتلقى آدم من ربه كلماتٌ لا يكون معنى التلقي القبول بل معناه أن الكلمات تداركته بالنجاة والرحمة واختلف في الكلمات ما هي فقيل هي قولـه: { ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية عن الحسن وقتادة وعكرمة وسعيد بن جبير, وإن في ذلك اعترافاً بالخطيئة فلذلك وقعت أنفسنا الآية عن الحسن وقتادة وعكرمة وسعيد بن جبير, وإن في ذلك اعترافاً بالخطيئة فلذلك وقعت موقع الندم وحقيقته الإنابة وقيل هي قولـه: { { اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين } } [القصص: 16] { اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين } [النحل: 44] { اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم } [البقرة: 128] عن مجاهد وهو المروي عن أبي جعفر الباقر (ع).
وقيل بل هي سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر وقيل رواية تختص بأهل البيت عليهم السلام أن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة فسأل عنها فقيل له هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى والأسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فتوسلّ آدم (ع) إلى ربّه بهم في قبول توبته ورفع منزلته قولـه: { فتاب عليه } فيه حذف أي تاب آدم فتاب الله عليه أي قبل توبته وقيل تاب عليه أي وفقه للتوبة وهداه إليها بأن لقنه الكلمات حتى قالها فلما قالها قبل توبته.
{ إنه هو التواب } أي كثير القبول وللتوبة يقبل مرة بعد مرة وهو في صفة العباد الكثير التوبة وقيل إن معناه أنه يقبل التوبة وإن عظمت الذنوب فيسقط عقابها قولـه: { الرحيم } إنما ذكره ليدل به على أنه متفضل بقبول التوبة ومنعم به وأن ذلك ليس على وجه الوجوب وإنما قال فتاب عليه ولم يقل عليهما لأنه اختصر وحذف للإيجاز والتغليب كقولـه سبحانه وتعالى: { { والله ورسوله أحق أن يرضوه } [التوبة: 62] ومعناه أن يرضوهما وقولـه: { { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } [الجمعة: 11] وكقول الشاعر:
رَمَاني بِأَمْرٍ كَنْتُ مِنْهُ ووَالِدي بَرِيَّا وَمِنْ جُوْلِ الطَّوِيِّ رَمَاني
وقال الآخر:
نَحْنُ بِما عِنْدَنا وَأَنْتَ بِمــــا عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَأيُ مُخْتَلِفُ
فكذلك معنى الآية فتاب عليهما. وقال الحسن البصري: لم يخلق الله آدم إلا للأرض ولو لم يعص لأخرجه إلى الأرض على غير تلك الحال وقال غيره يجوز أن يكون خلقه للأرض أن عصى ولغيرها إن لم يعص وهو الأقوى.
فصل مختصر في التوبة وشروطها والاختلاف فيها
اعلم أن من شروط التوبة الندم على ما مضى من القبيح والعزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح فإن هذه التوبة أجمع المسلمون على سقوط العقاب عندها واختلفوا فيما عداها وكل معصية الله تعالى فإنه يجب التوبة منها والطاعة لا يصح التوبة منها وعندنا يصح التوبة إذا كانت من ترك الندب ويكون ذلك على وجه الرجوع إلى فعله وعلى هذا يحمل توبة الأنبياء (ع) في جميع ما نطق به القرآن وقبول التوبة وإسقاط العقاب عندها تفضل من الله تعالى غير واجب عليه عندنا وعند جميع المعتزلة واجب.
وقد وعد الله تعالى بذلك وإن كان تفضلاً وعلمنا أنه لا يخلف الميعاد وأما التوبة من قبيح مع الإقامة على قبيح آخر يعلم أو يعتقد قبحه فعند أكثر المتكلمين هي صحيحة وعند أبي هاشم وأصحابه لا يصح واعتمد الأولون على أن قالوا كما يجوز أن يمتنع عن قبيح لقبحه مع أنه يفعل قبيحاً آخر وإن علم قبحه كذلك يجوز أن يندم من قبيح مع المقام على قبيح آخر يعلم قبحه
واختلفوا في التوبة عند ظهور أشراط الساعة هل تصح أم لا؟ فقال الحسن يحجُب عنها عند الآيات الست وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بادروا بالأعمال ستاً طلوعَ الشمس من مغربها والدجالَ والدخانَ ودابةَ الأرض وخُوَيْصة أحدكم يعني الموت وأمْرَ العامة يعني القيامة" وقيل لا شك أن التوبة عند بعض هذه الآيات تحجب وعند بعضها يجوز أن لا تحجب والله أعلم.