التفاسير

< >
عرض

وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٤
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: أهل الحجاز غير ورش وأهل البصرة لا يمدون حرفاً لحرفٍ وهو أن تكون المدة من كلمة والهمزة من أخرى نحو { بما أنزل إليك } ونحوه وأما أهل الكوفة وابن عامر وورش عن نافع فإنهم يمدون ذلك وورش أطولهم مداً ثم حمزة ثم عاصم برواية الأعشى والباقون يمدون مداً وسطاً من غير إفراط فالمد للتحقيق وحذفه للتخفيف وأما السكتة بين المدة والهمزة فعن حمزة ووافقه عاصم والكسائي على اختلاف عنهما وكان يقف حمزة قبل الهمزة أيضاً فيسكت على اللام شيئاً من قولـه بالآخرة ثم يبتدئ بالهمزة وكذلك يقطع على الياء من شيء كأنه يقف ثم يهمز والباقون بغير سكتة.
الإعراب: إليك ولديك وعليك الأصل فيها إلاك وعَلاك وَلَداك إلا أن الألف غيرت مع المضمر فأبدلت ياء ليفصل بين الألف في آخر الاسم المتمكن وبينها في آخر غير المتمكن الذي الإضافة لازمة له ألا ترى أن إلى وعلى ولدى لا تنفرد من الإضافة فشبهت بها كلا إذا أضيفت إلى الضمير لأنها لا تنفرد ولا تكون كلاماً إلا بالإضافة وما موصول وأنزل صلته وفيه ضمير يعود إلى ما والموصول مع صلته في موضع جر بالباء والجار والمجرور في موضع نصب بأنه مفعول يؤمنون ويؤمنون صلة للذين والذين يؤمنون في موضع جر بالعطف والعطف فيه على وجهين أحدهما أن يكون عطف أحد الموصوفين على الآخر والآخر أن يكون جمع الأوصاف لموصوف واحد.
المعنى: ثم بيّن تعالى تمام صفة المتقين فقال { والذين يؤمنون بما أنزل إليك } يعني القرآن وما أنزل من قبلك يعني الكتب المتقدمة وقولـه وبالآخرة أي بالدار الآخرة لأن الآخرة صفة فلا بد لها من موصوف وقيل أراد به الكرَّة الآخرة وإنما وصفت بالآخرة لتأخرها عن الدنيا كما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق وقيل لدناءتها هم يوقنون يعلمون وسمي العلم يقينا لحصول القطع عليه وسكون النفس إليه فكل يقين علم وليس كل علم يقيناً وذلك أن اليقين كأنه علم يحصل بعد الاستدلال والنظر لغموض المعلوم المنظور فيه أو لإشكال ذلك على الناظر ولهذا لا يقال في صفة الله تعالى موقن لأن الأشياء كلها في الجلاء عنده على السواء وإنما خصهم بالإيقان بالآخرة وإن كان الإيمان بالغيب قد شملها لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها في نحو حكي عنهم في قولـه:
{ { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا } [الجاثية: 24] فكان في تخصيصهم بذلك مدح لهم.