التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ
٥٥
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: لن نؤمن لك أي لن نصدقك يقال آمن به وآمن له بدلالة قولـه تعالى { { قال فرعون آمنتم به } [الأعراف: 123] وفي موضع آخر آمنتم له والرؤية الإِدراك بالبصر ثم يستعمل بمعنى العلم يقال رأى ببصره رؤية ورأى من الرأي رأياً ورأيت رؤياً حسنة والرُواء المنظر في البهاء والجمال والمرآة التي ينظر فيها وجمعها المرائي وتراءيت بالمرآة إِذا نظرت فيها وجاء في الحديث: "لا يتراىء أحدكم بالماء" أي لا ينظر فيه وتراءى القوم إِذا رأَى بعضهم بعضاً وتراءى فلان لفلان إذا تصدى له ليراه ويحذفون الهمزة من رأَيت في كل كلمة تكون راوءها ساكنة تقول رأيت أرى والأصل أرأَى وأريته فلاناً أريه فأنا مُرىٍ وهو مُرىً والأصل أَرْايْه وأثبتوها في موضعين مرئي وأرأت الناقة والشاة إذا عرف في لون ضرعها أنها قد أقربت والرأي حسن الشارَة والهيئة قال جرير:

وَكُلُّ قَوْم لَهُمْ رِأيٌ ومُخْتَبَرُ وَلَيْسَ في تَغْلِبَ رِأيٌ وَلا خَبَرٌُ

والجهر والعلامة والمعاينة نظائر يقال جهر بكلامه وبقراءته جهراً إِذا علن ورجل جهير ذو رواء وكلام جهير وصوت جهير أي عال والفعل منه جهر وجهرني الرجل أي راعني جماله, وضد الجهر السر وأصل الباب الظهور وحقيقة الجهر ظهور الشيء معاينة والفرق بين الجهر والمعاينة أن المعاينة ترجع إلى حال المدرك والجهيرة ترجع إلى حال المدرَك وقد تكون الرؤية في المنام والرؤية بالقلب فإذا قال جهرة لم يكن إلا رؤية العين على التحقيق دون التخييل والصاعقة على ثلاثة أوجه أحدها: نار تسقط من السماء كقولـه: { { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } [الرعد: 13] والثاني: الموت في قولـه { { فصعق من في السماوات } } [الزمر: 68] وقولـه { فأَخذتكم الصاعقة } والثالث: العذاب في قولـه { { أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [فصلت: 13].
الإعراب: حتى نرى حتى بمعنى إلى وهي الجارة للاسم وانتصب نرى بعدها بإضمار إن كما ينتصب الفعل بعد اللام بإضمار أن وأن مع الفعل في تأويل المصدر وفي موضع جر بحتى ثم إن الجار والمجرور في موضع نصب بأنه مفعول لن نؤمن وجهرة مصدر وضع موضع الحال.
المعنى: { وإذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك } أي لن تصدقك في قولك أنك نبي مبعوث { حتى نرى الله جهرة } أي علانية فيخبرنا بأنك نبي مبعوث وقيل معناه إنا لا نصدقك فيما تخبر به من صفات الله تعالى وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه حتى نرى الله جهرة أي علانية وعياناً فيخبرنا بذلك وقيل إنه لما جاءَهم بالأَلواح وفيها التوراة قالوا لن نؤمن بأن هذا من عند الله حتى نراه عياناً وقال بعضهم إن قولـه جهرة صفة لخطابهم لموسى أنهم جهروا به وأعلنوه وتقديره وإِذا قلتم جهرة لن نؤمن لك حتى نرى الله والأول أقوى.
{ فأخذتكم الصاعقة } أي الموت { وأنتم تنظرون } إلى أسباب الموت وقيل إلى النار وإنما قرع الله سبحانه اليهود بسؤال أسلافهم الرؤية من حيث إنهم سلكوا طريقتهم في المخالفة للنبي الذي لزمهم اتباعه والتصديق بجميع ما أتى به فجروا على عادة أسلافهم الذين كانو يسألون تارة نبيهم أن يجعل لهم إلهاً غير الله, ومرة يعبدون العجل من دون الله وطوراً يقولون لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. واستدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن الرؤية لا تجوز على الله تعالى قال لأنها إنكار تضمن أمرين ردهم على نبيهم وتجويزهم الرؤية على ربهم ويؤيد ذلك قولـه تعالى فقد سألوا موسى أكبر من ذلك
{ { فقالوا أرنا الله جهرة } [النساء: 153] فدل ذلك على أن المراد إنكار الأمرين وتدل هذه الآية أيضاً على أن قول موسى رب أرني أنظر إليك كان سؤالاً لقومه لأنه لا خلاف بين أهل التوراة أن موسى (ع) يسأل الرؤية إلا دفعة واحدة وهي التي سألها لقومه.