التفاسير

< >
عرض

فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٦٦
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: النكال الإرهاب للغير وأصله المتبع لأنه مأخوذ من النكل وهو القيد وهو أيضاً اللجام وسميت العقوبة نكالاً لأنها تمنع عن ارتكاب مثله ما ارتكبه من نزلت به ونكل فلان بفلان تنكيلاً ونكالاً والموعظة الوعظ وأصله التخويف يقال وعظت فلاناً موعظة وعِظة.
المعنى: { فجعلناها } الضمير يعود إلى الأمة التي مسخت وهم أهل إيلة قرية على شاطىء البحر وهو المروي عن أبي جعفر (ع) أو إلى المسخة عن الزجاج أو إلى العقوبة أي: جعلنا تلك العقوبة عن ابن عباس أو إلى القرية التي اعتدى أهلها فيها: { نكالا } أي عقوبة وقيل اشتهار أو فضيحة وقيل تذكرة وعبرة وقولـه: { لما بين يديها وما خلفها } ذكر فيه وجوه:
أحدها: ما روي عن ابن عباس رواه الضحاك عنه لما بين يديها للأمم التي نراها وما خلفها ما يكون بعدها وهو يقارب المأثور المروي عن الباقر والصادق (ع) أنهما قالا لما بين يديها أي لما معها ينظر إليها من القرى وما خلفها نحن ولنا فيها موعظة فعلى هذا يكون ما بمعنى مَن أي نكالاً للخلق الذين كانوا معهم ولجميع من يأتي بعدهم إلى يوم القيامة لئلا يفعلوا مثل فعلهم وثانيها: أن يكون معناه جعلناها عقوبة للذنوب التي تقدمت على الاصطياد والذنوب التي تأخرت عنه وهذا يقتضي أن يكون الله تعالى لم يعاجلهم بالعقوبة عقيب الاصطياد عن ابن عباس أيضاً فيكون اللام بمعنى السبب أي بسبب ذلك وثالثها: أن يكون المراد لما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى عن عكرمة عن ابن عباس ورابعها: أن يكون المراد لما بين يديها ما مضى من خطاياهم وبما خلفها خطاياهم التي أهلكوا بها.
{ وموعظة للمتقين } معناه أنه إنما يتعظ بها المتقون فكأنها موعظة لهم دون غيرهم وهذا كقولـه سبحانه:
{ { هدى للمتقين } [البقرة: 2] وفي هذه الآية دلالة على أن من فعل مثل أفعال هولاء ممن تقدمهم أو تأخر عنهم يستحق من العقاب مثل ما حلّ بهم من التشويه وتغيير الخلقة إذ كان نكالاً لهم جميعاً وتحذيراً وتنبيهاً للمتقين لكي لا يواقعوا من المعاصي ما واقع أولئك فيستحقوا ما استحقوه نعوذ بالله من سخطه.