التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٧٦
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الحديث والخبر والنبأ نظائر مشتق من الحدوث وكأنه إخبار عن حوادث الزمان والفتح في الأصل فتح المغلق وقد يستعمل في مواضع كثيرة فمنها الحكم يقال اللهم افتح بيني وبين فلان أي احكم يقولون متى هذا الفتح أي متى هذا القضاء ويوم الفتح يوم القضاء وقال الشاعر:

ألاَ أبْلِغْ بَنِي عُصْمٍ رِسُوْلاً فَإنّي عَن فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ

ويقال للقاضي الفتاح ومنها التعليم يقال افتح عليّ هذا أي علمني ما عندك فيه, ومنها النصرة يقال استفتحهُ أي اطلب منه النصر ومنه قولـه: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } [الأنفال: 9] ويستعمل في فتح البلدان يقال فتح المسلمون أرض كذا, والحاجة والمجادلة والمناظرة نظائر فالمحاجة أن يحتج كل واحد من الخصمين على صاحبه والحجة الوجه الذي به يكون الظفر عند الحجاج ويقال حاججته فحججته وفي الحديث: "فحج آدم موسى" أي غلبه في الحجة وأصله من القصد ومنه الحج وهو القصد إلى بيت الله الحرام على وجه مخصوص فالحجة هي النكتة المقصودة في تصحيح الأمور.
النزول: روي عن أبى جعفر الباقر عليه السلام أنه قال كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من صفة محمد فنهاهم كبراؤهم عن ذلك وقالوا لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد فيحاجوكم به عند ربكم فنزلت هذه الآية وقال مجاهد نزلت في بني قريظة لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
"يا إخوة القردة والخنازير" قالوا من أخبر محمداً بهذا ما خرج إلا منكم. وقال السدي هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به أسلافهم فقال بعضهم لبعض أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به فيقولون نحن أكرم على الله منكم.
المعنى: ثم ذكر الله سبحانه خصلة أخرى من خصالهم الذميمة فقال: { و } هم الذين { إذا لقوا الذين آمنوا } أي رأوهم { قالوا آمنا } أي صدقنا بمحمد أنه نبي صادق نجده في كتابنا بنعمته وصفته وبما صدقتم به وأقررنا بذلك أخبر الله تعالى عنهم أنهم تخلقوا بأخلاق المنافقين وتحلوا بحليتهم واستنّوا بسنتهم { وإذا خلا بعضهم إلى بعض } أي إذا خلا بعض هؤلاء اليهود الذين وصفهم الله إلى بعض منهم فصاروا في خلاء وهو الموضع الذي ليس فيه غيرهم { قالوا } يعني قال بعضهم لبعض { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } قال الكلبي بما قضى الله عليكم في كتابكم أن محمداً حق وقولـه صدق. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن معناه قالوا لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم أي لا تقروا بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه وأنه النبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا اجحدوه ولا تقروا لهم به.
وقال الكسائي أتحدثونهم بما بينه الله لكم في كتابكم من العلم ببعث محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به وبعض الأقوال فيه ذكرناه في النزول, وأقوى التأويلات قول من قال أتحدثونهم بما فتح الله عليكم أي حكم الله به عليكم وقضاه فيكم ومن حكمه عليكم ما أخذ به ميثاقكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وصفته الموصوفة لكم في التوراة ومن قضائه فيكم أنه جعل منكم القردة والخنازير.
وقولـه: { ليحاجوكم به عند ربكم } أي ليكون لهم الحجة عليكم عند الله في الدنيا والآخرة في إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ كنتم مقرين به ومخبرين بصحة أمره من كتابكم فهذا يبين حجتهم عليكم عند الله, وقيل معناه ليجادلوكم ويقولوا لكم قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثم لا تتبعونه وقولـه: { عند ربكم } قال ابن الأنباري معناه في حكم ربكم كما يقال هذا حلال عند الشافعي أي في حكمه وهذا يحل عند الله أي في حكمه وقولـه: { أفلا تعقلون } أي أفلا تفقهون أيها القوم أن إخباركم محمداً وأصحابه بما تخبرونهم به من وجود نعت محمد في كتبكم حجة عليكم عند ربكم يحتجون بها عليكم, وقيل معناه أفلا تعقلون أيها المؤمنون أنهم لا يؤمنون فلا تسمعوا في ذلك عن الحسن وقيل إنه خطاب لليهود أي فلا تعقلون أيها اليهود إذ تقبلون من رؤسائكم مثل هذا وهذا تحذير لهم عن الرجوع إلى قول رؤسائهم.