التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ
٨٨
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: المشهورة غلف بسكون اللام وروي في الشواذ عن أبي عمرو وغلف بضم اللام.
الحجة: من قرأ بالتسكين فهو جمع الأَغلف مثل أحمر وحمر ويقال للسيف إذا كان في غلاف أغلف وقوس غلفاء وجمعها غلف ولا يجوز تثقيله إلا في ضرورة الشعر نحو قول طرفة:

أَيُهَا الفِتْيَانُ في مَجْلِسِنا جَرِّدُوا مِنْهَا وُرَاداً وشُقُرْ

فحركت لضرورة الشعر فمن قرأ غُلُف مثقلاً فهو جمع غلاف نحو مثال ومُثُل وحمار وحُمُر فيكون معناه قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم ويجوز أن يكون التسكين عن التثقيل مثل رُسُل ورُسْل.
اللغة: اللعن هو الاقصاء والإِبعاد يقال لعن فلان فلاناً فهو ملعون ثم يصرف مفعول منه إلى فعيل فقيل لعين قال الشماخ:

وَمَاءٍ قَدْ وَرَدَتْ لِوَصْلِ أرْوَى عَلَيْهِ الطَّيْرُ كَالوَرَقِ اللَّجِينِ
ذَعَرْتُ بِهِ القَطَا ونَفَيْتُ عَنْهُ مَقَامَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ اللَّعينِ

الإعراب: قليلاً منصوب بأنه صفة لمصدر محذوف وإنما حذف لأن الصفة تقوم مقامه وتدل عليه أي فإنما قليلاً ما يؤمنون وقيل إنه منصوب على الحال أي وهم قليل وقيل وتقديره بقليل ما يؤمنون حذف الجار فوصل الفعل إليه فنصبه وما هنا مزيدة للتوكيد ولا معنى لها كما في قولـه فبما رحمة من الله وتقدير الكلام فقليلاً يؤمنون وكما في قول الشاعر:

لَوْ بأَبَانينِ جَاءَ يَخْطُبْهَا خَضَّبَ ما أنْفُ خاطِبٍ بِدَمِ

وقيل إن معنى ما ها هنا هو أن يدل على غاية التنكير في الاسم وفرط الإِبهام فيه كما يقال أمر ما وشيء ما إذا أريد المبالغة في الإِبهام.
المعنى { وقالوا قلوبنا غلف } رجع الكلام إلى الحكاية عن اليهود وعن سوء مقالهم وفعالهم فالمعنى على القراءة أنهم ادعوا أن قلوبهم ممنوعة من القبول فقالوا أيُّ فائدة في إنذارك لنا ونحن لا نفهم ما تقول إذ ما تقولـه ليس مما يفهم كقولـه تعالى:
{ { وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر } [فصلت: 5] وقال أبو علي الفارسي ما يدرك به المعلومات من الحواس وغيرها من الأَعضاء إِذا ذكر بأنه لا يعلم وصف بأن عليه مانعاً من ذلك ودونه حائلاً من أن يدخله ما يدخل إذا لم يكن مقفلاً جعل مثالاً للقلوب بأنها لا تعي ولا تفقه.
وكذلك قولـه:
{ { لقالوا إنما سكرت أبصارنا } [الحجر: 15] { { والذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } [الكهف: 101] وقولـه: { { بل هم منها عمون } [النمل: 66] كأن شدة عنادهم تحملهم على الشك في المشاهدات ودفع المعلومات وأما المعنى على القراءة الثانية من تحريك العين في غلف فهو على أن المراد أن قلوبنا أوعية للعلم ونحن علماء ولو كان ما تقولـه شيئاً يفهم أو له طائل لفهمناه أو يكون المراد ليس في قلوبنا ما تذكره فلو كان علماً لكان فيها قولـه: { بل لعنهم الله بكفرهم } رد الله سبحانه عليهم قولـهم أي ليس ذلك كما زعموا لكن الله سبحانه قد أقصاهم وأبعدهم من رحمته وطردهم عنها بجحودهم به وبرسله وقيل معنى لعنهم طبع على قلوبهم على سبيل المجازاة لهم بكفرهم.
وقولـه: { فقليلاً ما يؤمنون } معناه إن هؤلاء وصفهم قليلوا الإِيمان بما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان معهم بعض الإِيمان من التصديق بالله وبصفاته وغير ذلك مما كان فرضاً عليهم وذلك قليل بالإِضافة إلى ما أخذوه من التصديق بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم وبما جاء به والذي يليق بمذهبنا أن يكون المراد به لا إيمان لهم أصلاً وإنما وصفهم بالقليل كما يقال قل ما رأيت هذا قط أي ما رأيت هذا قط وإن جعلت قليلاً نصباً على الحال أي يؤمنون قليلاً فمعناه لا يؤمن به إلا نفر قليل كعبد الله بن سلام وأصحابه. وفي هذه الآية رد على المجبرة لأن هؤلاء اليهود قالوا مثل ما يقولونه من أن على قلوبهم ما يمنع من الإِيمان ويحول بينها وبينه فكذّبهم الله تعالى في ذلك بأن لعنهم وذّمهم ولو كانوا صادقين لما استحقّوا اللعن والطرد ولكان الله سبحانه قد كلّفهم ما لا يطيقونه.