التفاسير

< >
عرض

مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ
٦
وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ
٨
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ
٩
لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
١٠
-الأنبياء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ نوحي بالنون حفص عن عاصم والباقون يوحى وقد تقدَّم ذكره في سورة يوسف (ع).
الإعراب: أهلكناها في موضع الجر لأنه صفة قرية جسداً واحداً بمعنى الجمع أي وما جعلناهم أجساداً بمعنى ذوي أجساد ولذلك قال لا يأكلون وتقديره غير آكلين الطعام ومن نشاء في موضع نصب عطفاً على هم من قوله: { فأنجيناهم }
المعنى: لمّا تقدّمت الحكاية عن الكفار بأنهم اقترحوا الآيات قال سبحانه مجيباً لهم: { ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها } أي لم يؤمن قبل هؤلاء الكفار من أهل قرية جاءتهم الآيات التي طلبوها فأهلكناهم مصرين على الكفر { أفهم يؤمنون } عند مجيئها هذا إخبار عن حالهم وأن سبيلهم سبيل من تقدَّم من الأمم طلبوا الآيات فلم يؤمنوا بها وأهلكوا فهؤلاء أيضاً لو أتاهم ما اقترحوه لم يؤمنوا ولاستحقوا عذاب الاستئصال، وقد حكم سبحانه في هذه الآية أن لا يعذبهم عذاب الاستئصال فلذلك لم يجبهم في ذلك. وقيل: ما حكم الله سبحانه بهلاك قرية إلا وفي المعلوم أنهم لا يؤمنون فلذلك لم يأت هؤلاء بالآيات المقترحة:
{ وما أرسلنا قبلك } يا محمد { إلا رجالاً } هذا جواب لقولهم وما هذا إلا بشر مثلكم والمعنى لم نرسل قبلك يا محمد إلا رجالاً من بني آدم { نوحي إليهم } لا ملائكة لأن الشكل إلى الشكل أميل وبه آنس وعنه أفهم ومن الأنفة منه أبعد { فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } اختلف في المعني بأهل الذكر على أقوال فروي عن علي (ع) أنه قال نحن أهل الذكر وروي ذلك عن أبي جعفر (ع) ويعضده أن الله تعالى سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذكراً رسولاً في قوله: ذكراً رسولاً. وقيل: أهل الذكر أهل التوراة والإنجيل عن الحسن وقتادة. وقيل: هم أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم. وقيل: هم أهل القرآن والذكر هو القرآن وهم العلماء بالقرآن عن ابن زيد:
{ وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين } أي باقين لا يموتون هذا ردُّ لقولهم
{ ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } } [الفرقان: 7] ومعناه ما جعلنا الأنبياء قبلك أجساداً لا يأكلون الطعام ولا يموتون حتى يكون أكلك الطعام وشربك وموتك علة في ترك الإيمان بك فإنا لم نخرجهم عن حدّ البشرية بالوحي. قال الكلبي: الجسد المجسد الذي فيه الروح ويأكل ويشرب فعلى هذا يكون ما يأكل ويشرب جسماً. وقان مجاهد: الجسد ما لا يأكل ولا يشرب فعلى هذا يكون ما يأكل ويشرب نفساً:
{ ثم صدقناهم الوعد } أي صدقناهم الوعد بأن العاقبة الحميدة تكون لهم ومعناه أنجزنا ما وعدناهم به من النصر والنجاة والظهور على الأعداء وما وعدناهم به من الثواب { فأنجيناهم ومن نشاء } أي فأنجيناهم من أعدائهم وأنجينا معهم من نشاء من المؤمنين بهم { وأهلكنا المسرفين } على أنفسهم بتكذيبهم الأنبياء. قال قتادة: المسرفين هم المشركون وهذا تخويف لكفار مكة.
ثم ذكر نعمته عليهم بإنزال القرآن فقال: { لقد أنزلنا إليكم } يا معشر قريش: { كتاباً فيه ذكركم } أي فيه شرفكم إن تمسكتم به كقوله:
{ وإنه لذكر لك ولقومك } [الزخرف: 44]. وقيل: هو خطاب للعرب لأنه أنزل القرآن بلغتهم. وقيل: هو خطاب لجميع المؤمنين لأن فيه شرفاً للمؤمنين كلهم. وقيل: إن معناه فيه ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ودنياكم عن الحسن. وقيل: فيه ذكر مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال لتتمسكوا بها { أفلا تعقلون } ما فضلتم به على غيركم. وقيل: معناه أفلا تتدبرون فتعلمون أن الأمر على ما قلناه.