التفاسير

< >
عرض

أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
٧٢
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٧٣
وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ
٧٤
وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
٧٥
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ
٧٦
حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ
٧٧
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ
٧٨
وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٧٩
وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٨٠
-المؤمنون

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أصل الخراج والخرج واحد وهو الغلة التي تخرج على سبيل الوظيفة ومنه خراج الأرض وهما مصدران يجمعان وقد سبق اختلاف القراء فيه في سورة الكهف والاستكانة الخضوع وهو استفعل من الكون والمعنى ما طلبوا الكون على صفة الخضوع قال الأزهري: أكانه الله يكنيه أي أخضعه حتى ذل ومات فلان بكينة سوء أي بحال سوء. وقيل: أن استكان من السكينة والسكون إلا أن الفتحة أشبعت فنشأت منها ألف فصار استكانوا الأصل استكنوا على افتعلوا. قال عنترة في إشباع الفتحة:

يَنْباعُ مِنْ ذِفْري غَضُوبٍ جَسْرَةٍ زَيَّـــافَةٍ مِثْـــلِ الْفَنِــــيقِ الْمُكْـــدَمِ

يريد ينبع فأشبع الفتحة وقال آخر:

وَأَنْتَ مِنَ الْغَوائِلِ حِينَ تُرْمَى وَمِـــنْ ذَمِّ الــــرِّجالِ بِمُنْتَزاحِ

أي بمنتزح يقال استكن واستكان وتمسكن بنعنى.
المعنى: ثم قال سبحانه { أم تسألهم } يا محمد على ما جئتهم به من القرآن والإِيمان { خرجاً } أي أجراً ومالاً يعطونك فيورث ذلك تهمة في حالك أو يثقل عليهم قبول قولك لأجله { فخراج ربك خير } أي فرزق ربك في الدنيا خير منه عن الكلبي. وقيل: فأجر ربك في الآخرة خير منه عن الحسن { وهو خير الرازقين } أي أفضل من أعطى وآجر وفي هذا دلالة على أن في العباد من يرزق غيره بإذن الله.
{ وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم } من التوحيد وإخلاص العبادة والعمل بالشريعة { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة } أي لا يصدّقون بالنشأة الآخرة { عن الصراط لناكبون } أي عن الدين الحق عادلون ومائلون. وقيل: معناه أنهم في الآخرة ناكبون عن طريق الجنة يؤخذ بهم يمنة ويسرة إلى النار عن الجبائي.
{ ولو رحمناهم } في الآخرة { وكشفنا ما بهم من ضر } ورددناهم إلى دار التكليف { للجوا في طغيانهم يعمهون } مثل قوله ولو ردّوا لعادوا عن الجبائي وأبي مسلم. وقيل: أنه في الدنيا أي ولو أنا رحمناهم وكشفنا ما بهم من جوع ونحوه لتمادوا في ضلالتهم وغوايتهم يترددون عن ابن جريج.
{ ولقد أخذناهم بالعذاب } معناه أنا قد أخذنا هؤلاء الكفار بالجدب وضيق الرزق والقتل بالسيف { فما استكانوا لربهم } أي ما تواضعوا ولا انقادوا { وما يتضرعون } أي وما يرغبون إلى الله في الدعاء. وقال أبو عبد الله (ع): الاستكانة الدعاء والتضرع رفع اليد في الصلاة.
{ حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد } أي هذا دأبهم حتى إذا فتحنا عليهم نوعاً آخر من العذاب وذاك حين دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقال:
" "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" " فجاعوا حتى أكلوا العلهز وهو الوبر بالدم عن مجاهد. وقيل: هو القتل يوم بدر عن ابن عباس. وقيل: فتحنا عليهم باباً من عذاب جهنم في الآخرة عن الجبائي. وقيل: ذلك حين فتح مكة. وقال أبو جعفر (ع): هو في الرجعة { إذا هم فيه مبلسون } أي آيسون من كل خير متحيّرون.
ثم بيّن سبحانه أنه المنعم على خلقه بأنواع النعم فقال { وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة } أي خلق هذه الحواس ابتداء لا من شيء وخصّ هذه الثلاثة لأن الدلائل مبنية عليها ينظر العاقل ويسمع ويتفكر فيعلم { قليلاً ما تشكرون } أي يقل شكركم لها وقليلاً منصوب على المصدر وتقديره تشكرون قليلاً لهذه النعم التي أنعم الله بها عليكم. وقيل: معناه أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحّدونه عن مقاتل.
{ وهو الذي ذرأكم } أي خلقكم وأوجدكم { في الأرض وإليه تحشرون } يوم القيامة فيجازيكم على أعمالكم { وهو الذي يحيي ويميت } أي يحييكم في أرحام أمهاتكم ويميتكم عند انقضاء آجالكم { وله اختلاف الليل والنهار } أي وله تدبيرها بالزيادة والنقصان. وقيل: وله ملك اختلافها وهو ذهاب أحدهما ومجيء الآخر { أفلا تعقلون } أي أفلا تعلمون بأن تفكروا فتعلموا أن لذلك صانعاً قادراً عالماً حياً حكيماً لا يستحق الإِلهية سواه ولا تحسن العبادة إلا له.