التفاسير

< >
عرض

ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٢٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٢٧
فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٢٨
لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٢٩
-النور

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الاستيناس طلب الأنس بالعلم أو غيره تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحداً ومنه قوله { { فإن آنستم منهم رشداً } [النساء: 6] أي علمتم وروي عن ابن عباس أنه قال إنما هي تستأذنوا يعني قوله { تستأنسوا } وكذلك يروى عن عبد الله وروي عن أبيّ حتى تسلموا وتستأنسوا وكذلك قرأ ابن عباس.
المعنى: قال سبحانه { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات } قيل في معناه أقوال أحدها: أن الخبيثات من الكلِم للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلم والطيبات من الكلم للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من الكلم ألا ترى أنك تسمع الخبيث من الرجل الصالح فتقول غفر الله لفلان ما هذا من خلقه ولا مما يقول عن ابن عباس والضحاك ومجاهد والحسن.
والثاني: أن معناه الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من السيئات والطيبات من الحسنات للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من الحسنات عن ابن زيد.
والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء عن أبي مسلم والجبائي وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قالا: هي مثل قوله
{ { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } [النور: 2] الآية أن أناساً هَمُّوا أن يتزوَّجوا منهن فنهاهم الله عن ذلك وكره ذلك لهم.
{ أُولئك مبرؤون مما يقولون } أي الطيبون مبرؤون أي منزَّهون من الكلام الخبيث عن مجاهد. وقال الفراء: يعني به عائشة وصفوان بن المعطل وهو بمنزلة قوله تعالى
{ فإن كان له إخوة } [النساء: 11] والأم تحجب بالأخوين فجاء على تغليب لفظ الجمع { لهم مغفرة } أي لهؤلاء الطيبين من الرجال والنساء مغفرة من الله لذنوبهم { ورزق كريم } أي عطية من الله كريمة في الجنة.
ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا } أي حتى تستأذنوا عن ابن مسعود وابن عباس قال أخطأ الكاتب فيه وكان يقرأ حتى تستأذنوا. وقيل: تستأنسوا بالتنحنح والكلام الذي يقوم مقام الاستيذان وقد بيَّن الله تعالى ذلك في قوله
{ وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } [النور: 59] عن مجاهد والسدي. وقيل: معناه حتى تستعلموا وتتعرفوا عن أبي أيوب الأنصاري قال: قلنا يا رسول الله ما الاستيناس قال: " "يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ويتنحنح على أهل البيت" " "وعن سهل بن سعد قال أطلع رجل في حجرة من حجر رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه مِدرَى يحكُّ به رأسه: لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينيك إنما الاستيذان من النظر" وروي "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أستأذن على أمي فقال: نعم قال إنها ليس لها خادم غيري أفأستأذن عليها كلما دخلت قال: أتحب أن تراها عريانة قال الرجل لا قال: فاستأذن عليها" .
{ وتسلموا على أهلها } قيل إن فيه تقديماً وتأخيراً تقديره حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا وتستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا. وقيل: معناه حتى تستأنسوا بأن تسلموا فقد روي أن رجلاً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحنح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة يقال لها روضة: "قومي إلى هذا فعلّميه وقولي له قل السلام عليكم أأدخل" فسمعها الرجل فقال أدخل.
{ ذلكم خير لكم } معناه ذلك الدخول بالاستيذان خير لكم { لعلكم تذكرون } مواعظ الله وأوامره ونواهيه فتتبعونها.
{ فإن لم تجدوا } معناه فإن لم تعلموا { فيها أحداً } يأذن لكم في الدخول { فلا تدخلوها } لأنه ربما كان فيها ما لا يجوز أن تطلعوا عليه { حتى يؤذن لكم } أي حتى يأذن لكم أرباب البيوت في ذلك بيَّن الله سبحانه بهذا أنه لا يجوز دخول دار الغير بغير إذنه وإن لم يكن صاحبها فيها ولا يجوز أن يتطلع إلى المنزل ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقاً لقوله (ع):
" إنما جعل الاستيذان لأجل النظر" " وإلا أن يكون الباب مفتوحاً لأن صاحبه بالفتح أباح النظر.
{ وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } أي فانصرفوا ولا تلجوا عليهم وذلك بأن يأمروكم بالانصراف صريحاً أو يوجد منهم ما يدل عليه { هو أزكى لكم } معناه أن الانصراف أنفع لكم في دينكم ودنياكم وأطهر لقلوبكم وأقرب إلى أن تصيروا أزكياء { والله بما تعملون عليم } أي عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها.
ثم قال سبحانه { ليس عليكم جناح } أي حرج وإثم { أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة } يعني بغير استئذان { فيها متاع لكم } قيل في معنى هذه البيوت أقوال أحدها: أنها الحانات والحمامات والأرحبة عن الصادق (ع) وعن محمد ابن الحنفية وقتادة ويكون معنى متاع لكم أي استمتاع لكم الثاني: أنها الخرابات المعطلة ويدخلها الإنسان لقضاء الحاجة عن عطاء والثالث: أنها الحوانيت وبيوت التجار التي فيها أمتعة الناس عن ابن زيد. قال الشعبي: وإذنهم أنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس علموا والرابع: أنها مناخات الناس في أسفارهم يرتفقون بها عن مجاهد والأولى حمله على الجميع { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } لا يخفى عليه شيء من ذلك.
النظم: وجه اتصال الآية بما قبلها أنه سبحانه لما عظم شأن الزنا والقذف أكَّد ذلك بالنهي عن دخول بيوت الناس إلا بعد الاستئذان والاستئناس ليكونوا أبعد من التهمة وأقرب إلى العصمة من السيئة.