التفاسير

< >
عرض

طسۤ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ
١
هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٢
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ
٥
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
٦
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٧
فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨
يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ
١٠
-النمل

مجمع البيان في تفسير القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
القراءة: قرأ أهل الكوفة ورويس عن يعقوب بشهاب قبس منوناً غير مضاف وقرأ الباقون بشهاب قبس مضافاً.
الحجة واللغة: قال أبو عبيدة: الشهاب النار والقبس ما اقتبست وأنشد:

فِــي كَفِّــهِ صَعْدَةٌ مُثَقَّفَةٌ فِيها سِنانٌ كَشُعْلَةِ القَبَسِ

وقال غيره كل ذي نور فهو شهاب. قال أبو علي: يجوز أن يكون قبس صفة ويجوز أن يكون اسماً غير صفة فأما الصفة فإنهم يقولون قبسته أقبسه قبساً والقبس الشيء المقبوس فإذا كان القبس صفة فالأحسن أن يجري على شهاب كما جرى على الموصوف في قوله:

كأنه ضَرَمٌ بالكفِّ مقبوسُ

وإن كان مصدراً غير صفة حسنت فيه الإضافة ولا يحسن ذلك في الصفة لأن الموصوف لا يضاف إلى صفته. وقال أبو الحسن: الإضافة أجود وأكثر في القراءة كما تقول دار آجر وسوار ذهب ولو قلت سوار ذهب ودار آجر كان عربياً. قال أبو علي: جعل أبو الحسن القبس فيه غير وصف ألا ترى أنه جعله بمنزلة الآجر والذهب وليس واحد منهما صفة.
الإعراب: هدى وبشرى في محل النصب أو الرفع فالنصب على الحال أي هادية ومبشرة والعامل فيهما معنى الإشارة والرفع على ثلاثة أوجه على هي هدى وبشرى وعلى البدل من آيات وعلى أن يكون خبراً بعد خبر أن بورك أن هي المفسرة لأن النداء فيه معنى القول يعني قيل له بورك ولا يجوز أن يكون مخففة من الثقيلة على تقدير أنه بورك لأنه كان يكون لا بدَّ من قَدْ والهاء في أنه ضمير الشأن وأنا الله مبتدأ وخبر وألق عصاك عطف على بورك أي نودي أن بورك وأن ألق عصاك.
المعنى: { طس } سبق تفسيره { تلك } إشارة إلى ما وعدوا بمجيئه من القرآن { آيات القرآن وكتاب مبين } أضاف الآيات إلى القرآن وآيات القرآن هي القرآن فهو كقوله
{ إنه لحق اليقين } [الحاقة: 51] والقرآن والكتاب معناهما واحد وصفه بالصفتين ليفيد أنه مما يظهر بالقراءة ويظهر بالكتابة وهو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعاً ووصفه بأنه مبين تشبيه له بالناطق بكذا ومعناه أن الله بيَّن فيه أمره ونهيه وحلاله وحرامه ووعده ووعيده وإذا وصفه بأنه بيان فإنه يجري مجرى وصفه له بالنطق بهذه الأشياء في ظهور المعني به للنفس والبيان هو الدلالة التي تبين بها الأشياء والمبين المظهر.
{ هدى وبشرى للمؤمنين } أي هدى من الضلالة إلى الحق بالبيان الذي فيه والبرهان وباللطف فيه من جهة الإعجاز الدال على صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وبشرى للمؤمنين بالجنة والثواب ويجوز أن يكون في موضع نصب على أن يكون تقديره هادياً ومبشراً ويجوز أن يكون في موضع رفع والتقدير هو هدى وبشرى.
ثم وصف المؤمنين فقال { الذين يقيمون الصلاة } بحدودها وواجباتها ويداومون على أوقاتها { ويؤتون الزكاة } أي ويخرجون ما يجب عليهم من الزكاة في أموالهم إلى من يستحقها { وهم بالآخرة } أي بالنشأة الآخرة والبعث والجزاء { هم يوقنون } لا يشكون فيه.
ثم وصف من خالفهم فقال { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّنا لهم أعمالهم فهم يعمهون } اختلف في معناه فقيل إن المعنى زيّنا لهم أعمالهم التي أمرناهم بها بأحسن وجوه التزيين والترغيب فهم يتحيَّرون بالذهاب عنها عن الحسن والجبائي وأبي مسلم. وقيل: زينا لهم أعمالهم بأن خلقنا فيهم شهوة القبيح الداعية لهم إلى فعل المعاصي ليجتنبوا المشتهى فهم يعمهون عن هذا المعنى ويتردَّدون في الحيرة. وقيل: معناه حرمناهم التوفيق عقوبة لهم على كفرهم فتزينت أعمالهم في أعينهم وحليت في صدورهم.
{ أولئك الذين لهم سوء العذاب } أي شدة العذاب وصعوبته { وهم في الآخرة هم الأخسرون } أي لا أحد أخسر صفقة منهم لأنهم يخسرون الثواب ويحصل لهم بدلاً منه العقاب.
{ وإنك } يا محمد { لتلقى القرآن } أي لتعطى { من لدن حكيم } في أمره { عليم } بخلقه أي من عند الله لأن الملك يلقيه من قبل الله سبحانه. وقيل: معناه لتلقن. قال علي بن عيسى: عليم بمعنى عالم إلا أن في عليم مبالغة فهو مثل سامع وسميع لأن في قولنا عالم يفيد أن له معلوماً كما أن قولنا سامع يفيد أن له مسموعاً وإذا وصفناه بأنه عليم أفاد أنه متى يصح معلوم فهو عالم به كما أن سميعاً يفيد أنه متى وجد مسموع فلا بدَّ أن يكون سامعاً له.
{ إذ قال موسى لأهله }. قال الزجاج: العامل في إذ أذكر أي أذكر في قصة موسى إذ قال لأهله أي امرأته وهي بنت شعيب { إني آنست } أي أبصرت ورأيت { ناراً } ومنه اشتقاق الإنس لأنهم مرئيون. وقيل: آنست أي أحسست بالشيء من جهة يؤنس بها وما آنست به فقد أحسست به مع سكون نفسك إليه { سأتيكم منها بخبر } معناه فالزموا مكانكم لعلي آتيكم من هذه النار بخبر الطريق وأهتدي بها إلى الطريق لأنه كان أضلّ الطريق { أو آتيكم بشهاب قبس } أي بشعلة نار والشهاب نور كالعمود من النار وكل نور يمتد مثل العمود يسمى شهاباً وإنما قال لامرأته آتيكم على لفظ خطاب الجمع لأنه أقامه مقام الجماعة في الأنس بها والسكون إليها في الأمكنة الموحشة { لعلكم تصطلون } أي لكي تستدفئوا بها وذلك لأنهم كانوا قد أصابهم البرد وكانوا شاتين عن الحسن وقتادة.
{ فلمّا جاءها } أي جاء موسى إلى النار يعني التي ظنَّ أنها نار وهي نور { نودي أن بورك من في النار ومن حولها }. قال وهب: لما رأى موسى النار وقف قريباً منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة لا تزداد النار إلا اشتعالاً ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسناً فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة ولا الشجرة برطوبتها تطفئ النار فعجب منها وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها فمالت إليها فخافها فتأخر عنها ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن نودي والمراد به نداء الوحي أن بورك من في النار ومن حولها أي بورك فيمن في النار وهم الملائكة وفيمن حولها يعني موسى وذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح ومن حولها هو موسى لأنه كان بالقرب منها ولم يكن فيها فكأنه قال بارك الله على من في النار وعليك يا موسى ومخرجه الدعاء والمراد الخبر.
قال الكسائي: تقول العرب باركه الله وبارك عليه وبارك فيه. وقيل: بورك من في النار معناه من في النار سلطانه وقدرته وبرهانه فالبركة ترجع إلى اسم الله وتأويله تبارك من نور هذا النور ومن حولها يعني موسى والملائكة وهذا معنى قول ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير. وقيل: معناه بورك من طلب النار وهو موسى (ع) فحذف المضاف ومن حولها الملائكة أي دامت البركة لموسى والملائكة وهذا تحية من الله سبحانه لموسى (ع) بالبركة كما حيَّا إبراهيم (ع) بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت.
ثم نزَّه سبحانه نفسه فقال { سبحان الله رب العالمين } أي تنزيهاً له عما لا يليق بصفاته تعالى عن أن يكون جسماً يحتاج إلى جهة أو عرضاً يحتاج إلى محل أو يكون ممن يتكلم بآلة.
ثم أخبر سبحانه موسى عن نفسه وتعرف إليه بصفاته فقال { يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم } أي إن الذي يكلّمك هو الله العزيز أي القادر الذي لا يغالب ولا يمتنع عليه شيء الحكيم في أفعاله المحكم لتدابيره.
ثم أراه سبحانه آية يعلم بها صحة النداء فقال { وألق عصاك } وفي الكلام حذف تقديره فألقاها فصارت حية { فلما رآها تهتز كأنها جان } أي تتحرّك كما يتحرّك الجان وهو الحية التي ليست بعظيمة وإنما شبَّهها بالجان في خفة حركتها واهتزازها مع أنها ثعبان في عظمها ولذلك هاله ذلك حتى ولّى مدبراً. وقيل: إن الحالتين مختلفتان لأن الحال التي صارت ثعباناً هي الحال التي لقي فيها فرعون والحال التي صارت جاناً هي الحال التي خاطبه الله في أول ما بعثه نبيّاً { ولّى مدبراً }
أي رجع إلى ورائه { ولم يعقب } أي لم يرجع ولم راجع معقّب والمفسرون يقولون لم يلتفت ولم يقف فقال الله سبحانه { يا موسى لا تخف إني لا يخاف لديَّ المرسلون } وهذا تسكين من الله سبحانه لموسى ونهي له عن الخوف يقول له إنك مرسل والمرسل لا يخاف لأنه لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب فيخاف عقابي على ذلك.