التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
٤٥
قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
٤٦
قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
٤٧
وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ
٤٨
قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٤٩
وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٠
فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
٥١
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥٢
وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٥٣
-النمل

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم لتبيتُنَّه بالتاء وضم التاء الثانية ثم لتقولُنَّ بالتاء أيضاً وضم اللام والباقون لنبيتنه بالنون وفتح التاء ثم لنقولن أيضاً بالنون وفتح اللام وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وسهل وابن عامر إنا دمرناهم بكسر الألف والباقون بفتح الألف وروي عن روح وزيد عن يعقوب بكسر الألف أيضاً.
الحجة: قال أبو علي: قوله تقاسموا لا يخلو من أن يراد به مثال الماضي أو مثال الآتي الذي يراد به الأمر فمن أراد به الأمر جعل لنبيتنه جواباً لتقاسموا فكأنه قال حلفوا لنبيتنه لأن هذه الألفاظ التي تكون من ألفاظ القسم تتلقى بما يتلقى به الإيمان كقوله تعالى:
{ { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن } [الأنعام: 109] { { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } [النحل: 38] فقل فكذلك: { تقاسموا بالله لنبيتنه } ملقاة باللام والنون الثقيلة.
وأدخل المتكلمون أنفسهم مع المقسمين كما دخلوا في قوله:
{ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم } [آل عمران: 61] ومن قال تقاسموا لنبيتنه أراد ليقسم بعضكم لبعض لنبيتنه فتقاسموا على هذا أمر كما كان فيمن قال لنبيتنه أمراً ومن تقاسموا لتبيتنه بالتاء فتقاسموا على هذا مثال ماضٍ ولا يجوز مع هذا إلا بالتاء لأن مثال الماضي للغيبة ولتبيتنه للخطاب.
ومن كسر إنا دمرناهم جاز أن يكون كان في قوله { كيف كان عاقبة مكرهم } تامة وأن تكون ناقصة فإن جعلتها تامة بمعنى وقع كان قوله كيف كانت عاقبة في موضع حال تقديره على أيُّ حال وقع عاقبة مكرهم أي أحسناً وقع عاقبة مكرهم أو سيئاً أو يكون في كيف ضمير من ذي الحال كما أنك إذا قلت في الدار حدث الأمر فجعلته في موضع الحال كان كذلك وحكم كيف على ذا أن يكون متعلقاً بمحذوف.
كما أنك إذا قلت في الدار وقع زيد فتقديره وقع زيد مستقراً في هذه الحال فإن جعلته ظرفاً للفعل تعلق بكان الذي بمعنى الحدث وقوله إنا دمرناهم فيمن كسر استئناف وهو تفسير للعاقبة كما أن قوله { لهم مغفرة وأجر عظيم } تفسير للموعد ومن قرأ أنَّا دمرناهم جاز أن يكون كان على ضربيها وإذا حملته على وقع كان كيف في موضع حال.
وجاز في قوله: { أنا دمرناهم } أمران أحدهما: أن يكون بدلاً من قوله: { عاقبة مكرهم } وجاز أن يكون محمولاً على مبتدأ مضمر كأنه قال هو أنا دمرناهم أو ذاك أنا دمرناهم فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله أنا دمرناهم قولان أحدهما: أن يكون بدلاً من اسم كان الذي هو العاقبة فإذا حملته على ذلك كان كيف في موضع خبر كان والآخر: أن يكون خبر كان ويكون موضعه نصباً بأنه خبر كان كأنه كان عاقبة أمرهم تدميرهم ويكون كيف في موضع حال ويجوز أن يكون العامل في كيف أحد شيئين إما أن يكون كان لأنه فعل كما كان العامل في الظرف في قوله:
{ { أكان للناس عجباً أن أوحينا } [يونس: 2]ألا ترى أنه لا يجوز أن يتصل قوله للناس بواحد من المصدرين إلا أن تجعله صفة لعجب فتقدمه فيصير في موضع حال فالعامل فيه على هذا أيضاً كان.
ويجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدلالة على الفعل لأنه قوله أنا دمرناهم بما دله تدميرنا وتدميرنا يدل على دمَّرنا فيصير العامل فيه هذا المعنى الذي دلَّ عليه ما في الكلام من معنى الفعل وزعموا أن في حرف في أنْ دمرناهم فهذا يقوي الفتح في أنا.
المعنى: ثم عطف سبحانه على قصة سليمان قصة صالح فقال: { ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم } في النسب { صالحاً أن اعبدوا الله } أي أرسلناه بأن أعبدوا الله وحده لا شريك له { فإذا هم فريقان يختصمون } أي مؤمنون وكافرون يقول كل فريق الحق معي.
{ قال } صالح للفريق المكذب: { يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة } أي بالعذاب قبل الرحمة أي لم قلتم إن كان ما أتينا به حقاً فأتنا بالعذاب وسمّى العذاب سيئة لما فيه من الآلام ولأنه جزاء على السيئة لأن السيئة هي الخصلة التي تسوء صاحبها { لولا } أي هلا { تستغفرون الله } أي تطلبون مغفرته من الشرك بأن تؤمنوا { لعلكم ترحمون } فلا تعذِّبون في الدنيا.
{ قالوا اطّيرنا بك وبمن معك } أي تشأمنا بك وبمن على دينك وذلك أنهم قحط المطر عنهم وجاعوا فقالوا أصابنا هذا الشرّ من شؤمك وشؤم أصحابك { قال } لهم صالح: { طائركم عند الله } أي الشؤم أتاكم من عند الله بكفركم وهذا كقوله:
{ { يطيَّروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله } [الأعراف: 131] { بل أنتم قوم تفتنون } أي تختبرون بالخير والشر عن ابن عباس. وقيل: تعذبون بسوء أعمالكم عن محمد بن كعب. وقيل: تبتلون وتمتحنون بطاعة الله ومعصيته.
{ وكان في المدينة } يعني التي بها صالح وهي الحجر { تسعة رهط يفسدون في الأرض } كانت هذه التسعة النفر من أشرافهم وهم غواة قوم صالح وهم الذين سعوا في عقر الناقة { ولا يصلحون } أي لا يطيعون الله تعالى. وذكر ابن عباس أسماءهم وقال هم قدار بن سالف ومصدع ودهمي ودهيم ودعمي ودعيم وأسلم وقتال وصداف.
{ قالوا تقاسموا بالله } أي قالوا فيما بينهم أحلفوا بالله { لنبيتنه } أي لنقتلن صالحاً { وأهله } بياتاً ومن قرأ بالنون فكأنهم قالوا أقسموا لنفعلن والأمر بالقسم في القراءتين داخل في الفعل منهم { ثم لنقولن لوليه } أي الذي رحم صالح إن سألنا عنه: { ما شهدنا مهلك أهله } أي ما قتلناه وما ندري من قتله وأهلكه وقد ذكرنا اختلاف القّراء فيه في سورة الكهف: { وإنا لصادقون } في هذا القول. قال الزجاج: كان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحاً وأهله ثم ينكروا عند أوليائه أن يكونوا فعلوا ذلك أو رأوه وكان هذا مكراً عزموا عليه.
قال الله تعالى: { ومكروا مكراً ومكرنا مكراً } أي جازيناهم جزاء مكرهم بتعجيل عقوبتهم { وهم لا يشعرون } بمكر الله بهم فإنهم دخلوا على صالح ليقتلوه فأنزل الله سبحانه الملائكة فرموا كل واحد منهم بحجر حتى قتلوهم وسلم صالح من مكرهم عن ابن عباس. وقيل: إن الله أمر صالحاً بالخروج من بينهم ثم استأصلهم بالعذاب. وقيل: نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضاً ليأتوا صالحاً فخَّر عليهم الجبل عن مقاتل.
{ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم } أي أهلكناهم بما ذكرناه من العذاب: { وقومهم أجمعين } بصيحة جبرائيل.
{ فتلك بيوتهم } أشار إلى بيوتهم والمعنى فانظر إليها: { خاوية } نصب على الحال أي فارغة خالية { بما ظلموا } أي بظلمهم وشركهم بالله تعالى { إن في ذلك } أي في إهلاكهم: { لآية لقوم يعلمون } أي لعبرة لمن نظر إليها واعتبر بها وفي هذه الآية دلالة على أن الظلم يعقب خراب الدور وروي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله أن الظلم يخرب البيوت وتلا هذه الآية. وقيل: إن هذه البيوت بوادي القرى بين المدينة والشام.
{ وأنجينا الذين آمنوا } به { وكانوا يتقون } قالوا إنهم أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت وسمّي حضرموت لأن صالحاً لما دخلها مات.