مجمع البيان في تفسير القرآن
القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم ويعقوب {لَنُنْجِينَّه} خفيفة الجيم ساكنة النون والباقون {لَنُنَجِّيَنَّه} بالتشديد وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة غير حفص ويعقوب إنا مُنْجُوك بالتخفيف والباقون بالتشديد وقرأ ابن عامر مُنَزِلّون بالتشديد والباقون مُنْزِلُون بالتخفيف.
الحجة: قال أبو علي: حجة من قرأ لَنُنْجِينَّه وإنا مُنْجُوك قوله { فأنجاه الله من النار } [العنكبوت: 24] وحجة من ثقل قوله { ونجَّينا الذين آمنوا } [فصلت: 18] يقال نجا زيد ونجيته وأنجيته مثل فرحته وأفرحته وكذلك قولك نزل إذا عدَّيته قلت نزَّلته وأنزلته.
والمعنى: ثم بيَّن سبحانه أنه استجاب دعاء لوط وبعث جبرائيل ومعه الملائكة لتعذيب قومه بقوله {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} أي يبشرونه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب {قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية} يعنون قرية قوم لوط (ع) وإنما قالوا: هذا لأن قريتهم كانت قريبة من قرية قوم إبراهيم {إن أهلها كانوا ظالمين} أي مشركين مرتكبين للفواحش.
{قال} إبراهيم {إن فيها لوطاً} فكيف تهلكونها {قالوا} في جوابه {نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله} أي لنخلصنَّ لوطاً من العذاب بإخراجه منها ولنخلصن أيضاً أهله المؤمنين منهم {إلا امرأته} فإنها تبقى في العذاب لا تنجو منه وذلك قوله {كانت من الغابرين} أي من الباقين في العذاب.
{ولما أن جاءت رسلنا لوطاً} أنْ هذه مزيدة {سيء بهم} معناه سيء لوط بالملائكة أي ساءه مجيئهم لما رآهم في أحسن صورة لما كان يعلمه من خبث فعل قومه عن قتادة. وقيل: معناه سيء بقومه لما علم من عظيم البلاء النازل بهم {وضاق بهم ذرعاً} أي ضاق قلبه. وقيل: ضاقت حيلته فيما أراد من حفظهم وصيانتهم عن الجبائي
فلما رأى الملائكة حزنه وضيق صدره {قالوا لا تخف} علينا وعليك {ولا تحزن} بما نفعله بقومك. وقيل: لا تخف ولا تحزن علينا فإنا رسل الله لا يقدرون علينا {إنا منجوك وأهلك} من العذاب {إلا امرأتك} الكافرة {كانت من الغابرين} أي الباقين في العذاب.
{إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً} أي عذاباً من السماء {بما كانوا يفسقون} أي يخرجون من طاعة الله إلى معصيتهِ أي جزاء بفسقهم {ولقد تركنا منها أية بينة} أي تركنا من تلك القرية عبرة واضحة ودلالة على قدرتنا. قال قتادة: هي الحجارة التي أمطرت عليهم. وقال ابن عباس: هي آثار منازلهم الخربة وقال مجاهد هي الماء الأسود على وجه الأرض {لقوم يعقلون} ذلك ويبصرونه ويتفكرون فيه ويتّعظون به فيزجرهم ذلك عن الكفر بالله واتخاذ شريك معه في العبادة.