التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٣٦
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ
٣٨
وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ
٣٩
فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٤٠
-العنكبوت

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الرجفة زعزعة الأرض تحت القدم. يقال: رجف السطح من تحت أهله يرجف رجفاً ورجفة شديدة والبحر رجاف لاضطرابه وأرجف الناس بالشيء أي أخبروا بما يضطرب لأجله من غير تحقق به والحاصب الريح العاصفة التي فيها الحصباء وهي الحصى الصغار يشبه به البرد والجليد قال الفرزدق:

مُسْتَقْبِلِينَ رِياحَ الشَّامِ تَضْرِبُنا بِحاصِــبٍ كَنَديفِ الْقُطْنِ مَنْثُورِ

وقال الأخطل:

وَلَقَدْ عَلِمْتَ إذِ العِشــارُ تَرَوَّحَــتْ هَــدَجَ الـرِّئـالِ بِكنِّـهِنَّ شِمــالا
تَرْمِي العِضاهَ بِحاصِبٍ مِنْ ثَلْجِها حَتَّــى تَبِيـتَ عَلَـى الْعضاهِ جِفالا

والخسف سوخ الأرض بما عليها. يقال: خسف الله به الأرض وخسف القمر إذهاب نوره والخسوف للقمر والكسوف للشمس.
الإِعراب: أخاهم ينتصب بفعل مضمر والتقدير وأرسلنا إلى مدين أخاهم وعاداً منصوب بفعل مضمر تقديره وأهلكنا عاداً وثمود وقد تبيَّن فاعله مضمر تقديره وقد تبين إهلاكهم لكم وكانوا مستبصرين في موضع نصب على الحال. ليظلمهم اللام لتأكيد النفي ولا يجوز إظهار أن بعده.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدَّم فقال { وإلى مدين } أي وأرسلنا إلى مدين { أخاهم شعيباً } وهذا مفسر فيما مضى { فقال يا قوم اعبدوا الله } بدأ بالدعاء إلى التوحيد والعبادة { وارجوا اليوم الآخر } أي وأملوا ثواب اليوم الآخر واخشوا عقابه بفعل الطاعات وتجنب السيئات { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } أي لا تسعوا في الأرض بالفساد.
ثم أخبر أن قومه كذَّبوه ولم يقبلوا منه فعاقبهم الله وذلك قوله { فكذَّبوه فأخذتهم الرجفة } وقد مرَّ بيانه { فأصبحوا في دارهم جاثمين } أي باركين على ركبهم ميتين.
{ وعاداً وثموداً } أي وأهلكنا أيضاً عاداً وثموداً جزاء لهم على كفرهم { وقد تبين لكم } معاشر الناس كثير { من مساكنهم }. وقيل: معناه وقد ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجر واليمن آية في هلاكهم { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدَّهم عن السبيل } أي فمنعهم عن طريق الحق { وكانوا مستبصرين } أي وكانوا عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر ولكنَّهم أغفلوا ولم يتدبَّروا. وقيل: معناه إنهم كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضلالة يحسبون أنهم على هدى عن قتادة والكلبي.
{ وقارون } أي وأهلكنا قارون { وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات } أي بالحجج الواضحات من قلب العصا حية واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها { فاستكبروا } أي طلبوا التجبر { في الأرض } ولم ينقادوا للحق { وما كانوا سابقين } أي فائتين الله كما يفوت السابق.
{ فكلاً أخذنا بذنبه } أي فأخذنا كلاًّ من هؤلاء بذنبه وعاقبناهم بتكذيبهم الرسل { فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً } أي حجارة. وقيل: ريحاً فيها حصى وهم قوم لوط عن ابن عباس وقتادة. وقيل: هم عاد { ومنهم من أخذته الصيحة } وهم ثمود وقوم شعيب عن ابن عباس وقتادة والصيحة العذاب. وقيل: صاح بهم جبرائيل فهلكوا { ومنهم من خسفنا به الأرض } وهو قارون { ومنهم من أغرقنا } يعني قوم نوح وفرعون وقومه { وما كان الله ليظلمهم } فيعذّبهم على غير ذنب أو قبل إزاحة العلة { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بكفرهم وتكذيبهم الرسل وفي هذا دلالة واضحة على فساد مذهب أهل الجبر فإن الظلم لو كان من فعل الله كما يزعمون لما كان هؤلاء هم الظالمين لنفوسهم بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم تعالى الله عن ذلك.