التفاسير

< >
عرض

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ
١٤
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الشهوات جمع شهوة وهي توقان النفس إلى المشتهى يقال اشتهى شهوة واشتهاء. والشهوة من فعل الله ولا يقدر عليها أحد من البشر وهي ضرورية فينا فإنه لا يمكننا دفعها عن نفوسنا، والقناطير جمع قنطار وهو المال الكثير العظيم وأصلـه من الأحكام يقال قنطرت الشيء أحكمته والقنطر الداهية وقيل أصلـه من القنطرة وهو البناء المعقود للعبور والمقنطرة المحصلة من قناطير كقولـهم دراهم مدرهمة أي مجعولة كذلك ودنانير مُدثّرة وقيل إنما المقنطرة للتأكيد وقد يؤتى بالمفعول والفاعل تأكيداً فالمفعول مثل قولـه حجراً محجوراً ونسياً منسياً والفاعل كقولـهم شعر شاعر وموت مائت والمراد بالجميع المبالغة والتأكيد وسميت الخيل خيلاً لاختيالـها في مشيها والاختيال من التخيل لأنه يتخيل به صاحبه في صورة من هو أعظم منه كبراً والمسوَّمة من قولـهم أسمت الماشية وسَوَّمتها إذا رعيتها والسِيما الحسن السيمياء بمعناه قال الشاعر:

غُلامٌ رَماهُ اللهُ بِالْحُسْنِ يافَعاً لـَهُ سيمِياء لا تَشُقُّ عَلَى الْبَصَرْ

والسيمياء العلامة وهو أصل الباب والمآب المرجع من الأوب وهو الرجوع.
المعنى: ثم أنزل الله تعالى ما أخبر به عن السبب الذي دعا الناس إلى العدول عن الحق والـهدى والركون إلى الدنيا فقال { زين للناس حب الشهوات } أي حب المشتهيات ولم يرد بها نفس الشهوة ولـهذا فَسَّرها بالنساء والبنين وغيرهما ثم اختلف فيمن زَيَّنها لـهم فقيل الشيطان عن الحسن قال فوالله ما أجد أذم للدنيا ممن خلقها. وقيل زيَّنها الله تعالى لـهم بما جعل في الطباع من الميل إليها وبما خلق فيها من الزينة محنة وتشديداً للتكليف كما قال سبحانه
{ { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لـها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } [الكهف: 7] وقيل زَيَّن الله تعالى ما يحسن منه وزين الشيطان ما يقبح عن أبي علي الجبائي ثم قَدَّم سبحانه ذكر النساء فقال { من النساء } لأن الفتنة بهن أعظم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " وقال: "النساء حبائل الشيطان" وقال أمير المؤمنين (ع): المرأة شرّ كلـها وشرّ ما فيها أنه لا بدّ منها وهي عقرب حلوة اللسعة.
ثم قال { والبنين } لأن حبهم يدعو إلى جمع الحرام
"وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأشعث بن قيس: هل لك من ابنة حمزة من وَلَدٍ قال نعم لي منها غلام ولوددت أن لي من جفنة من طعام أطعمها مَن معي من بني جبلة فقال: لئن قلت ذاك أنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين وأنهم مع ذلك لمَجَبْنَة مَبْخَلة مَحْزنة" " { والقناطير } جمع قنطار واختلف في مقداره فقيل ألف ومائتا أوقية عن معاذ بن جبل وأبي بن كعب وعبد الله بن عمر، وقيل ألف ومائتا مثقال عن ابن عباس والحسن والضحاك، وقيل ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم عن الحسن بخلاف، وقيل ثمانون ألفاً من الدراهم أو مائة رطل عن قتادة، وقيل سبعون ألف دينار عن مجاهد وعطاء، وقيل ملء مسك ثور ذهباً عن أبي نضرة وبه قال الفراء وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله و { المقنطرة } المضاعفة عن قتادة وقيل هي تسعة قناطير عن الفراء، وقيل هي الأموال المُنضدَّ بعضها فوق بعض عن الضحاك، وقيل الكاملة المجتمعة، وقيل هي من الذهب والفضة عن الزجاج، ولا يصح قول من قال من الذهب خاصة لأن الله ذكر القنطار فيهما جميعاً وجميع الأقوال يرجع إلى الكثرة.
{ والخيل المسومة } قيل معناه الأفراس الراعية عن سعيد بن جبير وابن عباس والحسن والربيع وقيل هي الحسنة من السيمياء وهو الحسن عن مجاهد وعكرمة والسدي وقيل هي المعلَّمة عن قتادة وفي رواية عن ابن عباس المعدة للجهاد عن ابن زيد { والأنعام } وهي جمع النعم وهي الإبل والبقر والغنم من الضان والمعز ولا يقال لجنس منها على الانفراد نعم إلا للإبل خاصة لأنها يغلب عليه جملة وتفصيلاً { والحرث } معناه الزرع هذه كلـها مُحبّبة إلى الناس كما ذكر الله تعالى ثم بَيَّنَ أن ذلك كلـه مما يتمتع به في الحياة ثم يزول عن صاحبه والمرجع إلى الله فأجدر بالإنسان أن يزهد فيه ويرغب فيما عند ربه فقال { ذلك متاع الحياه الدنيا } يعني كل ما سبق ذكره مما يستمتع به في الحياة الدنيا ثم يفنى { والله عنده حسن المآب } يعني حسن المرجع فالمآب مصدر سمى به موضع الإياب.