التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٢٠٠
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أصل الرباط ارتباط الخيل للعدو والربط الشدّ ومنه قولـهم ربط الله على قلبه بالصبر ثم استعمل في كل مقيم في ثغر يدفع عمن وراءه ممن أرادهم بسوء والرباط أيضاً اسم لما يشد به.
المعنى: لما حكى الله تعالى أحوال المؤمنين والكافرين فيما تقدم حثّ بعد ذلك على الصبر على الطاعة ولزوم الدين في الجهاد في سبيل الله فقال { يا أيها الذين آمنوا } أي صدقوا الله ورسولـه { اصبروا وصابروا ورابطوا } اختلف في معناه على وجوه أحدها: أن المعنى اصبروا على دينكم أي اثبتوا عليه وصابروا الكفار ورابطوهم في سبيل الله عن الحسن وقتادة وابن جريج والضحاك فعلى هذا يكون معناه اصبروا على طاعة الله وعن معاصيه وقاتلوا العدو واصبروا على قتالـهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل. وإنما أتى بلفظ صابروا ها هنا لأن فاعل إنما يأتي لما يكون بين اثنين والرباط هو المرابطة فيكون بين اثنين أيضاً يعني أعدّوا لـهم من الخيل ما يعدونه لكم كقولـه
{ { وأعدوا لـهم ما استطعتم من قوة } [الأنفال: 60] وثانيها: أن المراد اصبروا على دينكم وصابروا وَعْدي إياكم ورابطوا عدوي وعدوكم عن محمد بن كعب القرظي.
وثالثها: أن المراد اصبروا على الجهاد عن زيد بن أسلم وقيل إن معنى رابطوا أي رابطوا الصلوات ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة لأن المرابطة لم تكن حينئذ روي ذلك عن علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات، وعن جابر بن عبد الله وأبي سلمة ابن عبد الرحمن وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال:
" "إسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط " .
" وروي عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم وهو قريب من القول الأول وقولـه { واتقوا الله لعلكم تفلحون } معناه واتقوا أن تخالفوا الله فيما يأمركم به لكي تفلحوا بنعيم الأبد وقيل معناه اتقوا عذاب الله بلزوم أمره واجتناب نهيه لكي تظفروا وتفوزوا بنيل المنية ودرك البغية والوصول إلى النجح في الطلبة وذلك حقيقة الفلاح وهذه الآية تتضمن جميع ما يتناولـه المكلف لأن قولـه { اصبروا } يتناول لزوم العبادات واجتناب المحرمات، وصابروا يتناول ما يتصل بالغير كمجاهدة الجن والإنس وما هو أعظم منها من جهاد النفس ورابطوا يدخل فيه الدفاع عن المسلمين والذب عن الدين واتقوا الله يتناول الانتهاء عن جميع المناهي والزواجر والائتمار بجميع الأوامر ثم يتبع جميع ذلك الفلاح والنجاح.