التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٢١
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٢
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة يقاتلون بالأَلف وقيل إنما قرأها اتباعاً لمصحف عبد الله بن مسعود لأن فيه وقاتلوا الذين يأمرون والباقون يقتلون وهي القراءة الظاهرة.
الإِعراب: إنما دخلت الفاء في قولـه { فبشرهم } لشبه الجزاء وإنما لم يَجُزْ ليت الذي يقوم فيكرمك وجاز أن الذي يقوم فيكرمك لأن الذي إنما دخلت الفاء في خبرها لما في الكلام من معنى الجزاء وليت تبطل معنى الجزاء وليس كذلك أنّ لأنها بمنزلة الابتداء.
المعنى: لما قدّم سبحانه ذكر الاحتجاج على أهل الكتاب وحسن الوعد لـهم إن أسلموا وشدة الوعيد إن أبوا فَصَّل في هذه الآية كفرهم فقال { إن الذين يكفرون } أي يجحدون حجج الله تعالى وبيانه { ويقتلون النبيين } قيل هم اليهود فقد روي
" "عن أبي عبيدة بن الجراح قال قلت: يا رسول الله أيّ الناس أشد عذاباً يوم القيامة فقال: رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بمعروف أو نهى عن منكر ثم قرأ { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } ثم قال (ع): يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل واثنا عشر رجلاً من عُبّاد بني إسرائيل فأمروا مَنْ قتلـهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقُتلوا جميعاً من آخر النهار في ذلك اليوم وهو الذي ذكره الله تعالى { فبشرهم بعذاب أليم }" " أي أخبرهم بأن لـهم العذاب الأليم وإنما قال بشّرهم على طريق الإِتباع والاستعارة والبشارة تكون في الخير دون الشر لأَن ذلك لـهم مكان البشارة للمؤمنين ولأَنها مأخوذة من البشرة وبشرة الوجه تتغير بالسرور في الخير وبالغم في الشر ويقال كيف قال فبشرهم وإنما قتل الأَنبياء أسلافهم بالجواب لأَنهم رضوا بأفعالـهم واقتدوا بهم فأجملوا معهم وقيل معناه بشّر هؤلاء بالعذاب الأَليم لأَسلافهم وقولـه بغير حق لا يدل على أن في قتل النبيين ما هو حق بل المراد بذلك أن قتلـهم لا يكون إلا بغير حق كقولـه { { ومن يدع مع الله إلـهاً آخر لا برهان لـه به } [المؤمنون: 117] والمراد بذلك تأكيد النفي والمبالغة فيه كما يقال فلان لا يرجى خيره والغرض في ذلك أنه لا خير عنده على وجه من الوجوه وكما قال أبو ذؤيب:

مُتَفَلّقٌ أَنْساؤُها عَنْ قانِئ كَالْقُرطِ صاوٍ غُبْرُهُ لا يُرْضِعُ

أي ليس لـه بقية لبن فيرضع وعلى هذا فقد وصف القتل بما لا بد أن يكون عليه من الصفة وهو وقوعه على خلاف الحق وكذلك الدعاء في قولـه تعالى { { ومن يدع مع الله إلـهاً آخر لا برهان لـه به } [المؤمنون: 117] وصفه بأنه لا يكون إلا من غير برهان وقد استدل علي بن عيسى بهذه الآية على جواز إنكار المنكر مع خوف القتل وبالخبر الذي رواه الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر يقتل عليه" " وهذا فيه نظر لأَن من شرط حسن إنكار المنكر أن لا يكون فيه مفسدة ومتى أدّى إلى القتل فقد انتفى عنه هذا الشرط فيكون قبيحاً والوجه في الآية والأَخبار التي جاءت في معناها أن يغلب على الظن أن إنكار المنكر لا يؤدي إلى مفسدة فيحسن ذلك بل يجب وإن تَعقَّبَه القتل لأَنه ليس من شرطه أن يعلم ذلك بل يكفي فيه غلبة الظن.
{ أولئك الذين } كفروا بآيات الله وقتلوا الأَنبياء والآمرين بالمعروف { حبطت أعمالـهم في الدنيا والآخرة } يريد بأعمالـهم ما هم عليه من ادعائهم التمسك بالتوراة وإقامة شريعة موسى (ع) وأراد ببطلانها في الدنيا أنها لم تحقن دماءهم وأموالـهم ولم ينالوا بها الثناء والمدح وفي الآخرة أنهم لم يستحقوا بها مثوبة فصارت كأنها لم تكن لأن حبوط العمل عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الذي يستحق عليه الثواب والأَجر والمدح وحسن الذكر وإنما تحبط الطاعة حتى تصير كأنها لم تفعل إذا وقعت على خلاف الوجه المأمور به { وما لـهم من ناصرين } يدفعون عنهم العذاب.