التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ
٣٠
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الأَمد الغاية التي ينتهى إليها قال النابغة:

إلاّ لِمْثلِكَ أوْ مَنْ أنْتَ سابِقُــهُ سَبْقَ الْجَوادِ إذا اسْتَوْلى عَلَى الأَمَدِ

الإعراب: في انتصاب يوم وجوه أحدها: أنه منصوب بيحذركم أي يحذركم الله نفسه يوم تجد والثاني: بالمصير تقديره إلى الله المصير يوم تجد والثالث: اذكر يوم تجد وقولـه { ما علمت } ما ها هنا بمعنى الذي لأنه عمل فيه تجد فهي في موضع نصب ويحتمل أن يكون مع ما بعدها بمعنى المصدر وتقديره يوم تجد كل نفس عملـها بمعنى جزاء عملـها محضراً منصوب على الحال من تجد إذا جعلته من الوجدان فإن جعلته من العلم فهو مفعول ثان وقولـه { وما عملت من سوء } يصلح فيها معنى الذي ويقوّيه قولـه { يودّ } بالرفع ولو كان بمعنى الجزاء لكان تود مفتوحاً أو مكسوراً والرفع جائز على ضعف وأقول إن جواب لو هنا محذوف وتقدير الكلام تود أن بينها وبينه أمداً بعيداً لو ثبت ذلك لأَن لو يقتضي الفعل ولا يدخل على الاسم وإن مع اسمه وخبره بمنزلة مصدر فيكون تقديره لو ثبت أن بينها وبينه أمداً بعيداً فيكون في ذكر فاعل الفعل المقدر بعد لو دلالة على مفعول تود المحذوف وفي لفظ تود دلالة على جواب لو هذا ممّا سنح لي الآن وهو واضح بحمد الله تعالى ومنّه.
المعنى: لمّا حذر العقاب في الآية المتقدمة بيَّن وقت العقاب فقال { يوم تجد كل نفس ما عملت } في الدنيا { من } طاعة { خير محضراً } ونظيره قولـه
{ { ووجدوا ما عملوا حاضراً } [الكهف: 49] { { وعلمت نفس ما أحضرت } [التكوير: 14] ثم اختلف في كيفية وجود العمل محضراً فقيل: تجد صحائف الحسنات والسيئات عن أبي مسلم وغيره وهو اختيار القاضي وقيل ترى جزاء عملـها من الثواب والعقاب فأما أعمالـهم فهي أعراض قد بطلت ولا يجوز عليها الإِعادة فيستحيل أن ترى محضرة { وما عملت من سوء } معناه تجد كل نفس الذي عملته من معصية محضراً { تود لو أن بينها وبينه } أي بين معصيتها { أمداً بعيداً } أي غاية بعيدة أي تود أنها لم تكن فَعَلتها وقيل معناه مكاناً بعيداً عن السدي وقيل ما بين المشرق والمغرب عن مقاتل { ويحذركم الله نفسه } قد مر ذكره { والله رؤوف بالعباد } أي رحيم بهم قال الحسن: ومن تمام رأفته بهم أن حظَّرهم عقابه على معاصيه.