التفاسير

< >
عرض

يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٦٥
هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٦٦
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة ها أنتم بالمدّ والـهمز وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بغير مدّ ولا همز إلا بقدر خروج الألف الساكنة وقرأ ابن كثير ويعقوب بالـهمز والقصر من غير مدّ على وزنها عنتم وقرأ ابن عامر بالمد دون الـهمز.
الحجة: الكلام في المد والـهمز كثير والوجه أنّ من حقق فعلى الأصل لأنهما حرفان ها وأنتم ومن لم يمد ولم يهمز فللتخفيف من غير إخلال.
اللغة: الفرق بين الحجاج والجدال أن الحجاج يتضمن إما حجة أو شبهة في صورة الحجة والجدال هو فتل الخصم إلى المذهب بحجة أو شبهة أو إيهام في الحقيقة لأن أصلـه من الجدل وهو شدة الفتل والحجة في البيان الذي شهد بصحة المقال وهو والدلالة بمعنى واحد.
الإعراب: ها أنتم للتنبيه وقد كثر التنبيهُ في هذا ولم يكثر في ها أنت لأن ذا مبهم من حيث يصلح لكل حاضر والمعنى فيه واحد بعينه مما يصلح لـه فقوي بالتنبيه لتحريك النفس على طلبه بعينهِ وليس كذلك أنت لأنهُ لا يصلح لكل حاضر في الجملة وإنما هو للمخاطب وخبر أنتم يجوز أن يكون حاججتم على أن يكون هؤلاء عطف بيان ويجوز أن يكون خبره هؤلاء على أنّ أولاء بمعنى الذين وما بعده صلة لـه.
النزول: قال ابن عباس والحسن وقتادة: إن أحبار اليهود ونصارى نجران اجتمعوا عند رسول الله فتنازعوا في إبراهيم فقالت اليهود ما كان إلاّ يهودياً وقالت النصارى ما كان إلاّ نصرانياً فأنزل الله هذه الآية.
المعنى: { يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم } أي لم تنازعون وتجادلون فيه وتدعون أنه على دينكم { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } أي من بعد إبراهيم { أفلا تعقلون } أن الإقامة على الدعوى من غير برهان غير جائزة في العقل فكيف يجوز الإقامة على الدعوة بعد ما ظهر فسادها. فإن قيل لو دل نزول التوراة والإنجيل بعد إبراهيم على أنه لم يكن على اليهودية والنصرانية لوجب أن يدل نزول القرآن بعده على أنه لم يكن على الإسلام فالجواب أن الكل متفقون على أنه متسّم باسم الإسلام غير أن اليهود ادعوا أن الإسلام هو اليهودية، والنصارى ادّعوا أنه هو النصرانية والتوراة والإنجيل أنزلا من بعد إبراهيم واسمه فيهما اسم الإسلام وليس في واحد منهما أنه كان على دين اليهودية والنصرانية.
وأما القرآن وإن كان منزلاً بعده ففيه وصف إبراهيم بدين الإسلام ونفي اليهودية والنصرانية عنه ففي هذا أوضح حجة على أنه كان مسلماً وأن محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته الذين لـهم اسم الإسلام أولى به منهم. وقد قيل إن اليهود اعتقدوا أن اليهودي اسم لمن تمسك بالتوراة واعتقد شريعته، والنصارى اعتقدوا أن النصراني اسم لمن تمسك بالإنجيل واعتقد شريعته، فرد الله تعالى دعوى الفريقين وأخبر أن التوراة والإنجيل ما أُنزلا إلاّ من بعد إبراهيم فكيف يكون متمسكاً بحكمهما وأما نحن فلم نَدّع أن المسلم هو المتمسك بحكم القرآن إذ الإسلام عبارة عن الدين دون أحكام الشريعة فوصفناه بالإسلام كما وصفه الله به.
فإن قيل: فهل كان إبراهيم متمسكاً بشرائع الإسلام كلـها التي نحن عليها قلنا إنه كان متمسكاً بدين الإسلام وببعض أحكام شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا بجميعها لأن من حكم الشريعة قراءة القرآن في الصلاة ولم يكن ذلك في شريعته وإنما قلنا أنهُ مسلم وأن كان متمسكاً ببعض أحكام الشريعة لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بدو الإسلام كانوا مسلمين قبل استكمال الشرع وقبل نزول تمام القرآن والواحد منا مسلم على الحقيقة وإن لم يعمل بجميع أحكام الشريعة.
{ ها أنتم } يا معشر اليهود والنصارى وهو في الظاهر تنبيه على أنفسهم والمراد به التنبيه على حالـهم إذ التنبيه إنما يكون فيما قد يغفل عنه الإنسان دون ما يعلمه { حاججتم } جادلتم وخاصمتم { فيما لكم به علم } معناه حاججتم ولكم به علم لوجود اسمه في التوراة والإنجيل { فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } أي فلم تحاجون في دينه وشرعه وليس لكم به علم لم ينكر الله تعالى عليهم محاجتهم فيما علموه وإنما أنكر عليهم محاجتهم فيما لم يعلموا { والله يعلم } شأن إبراهيم ودينه وكل ما ليس عليه دليل لأنه العالم لجميع المعلومات { وأنتم لا تعلمون } ذلك فلا تتكلموا فيه ولا تضيفوا إليه ما لا تعلمونه واطلبوا علم ذلك ممن يعلمه.