التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ
٢٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ
٢٧
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٨
قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ
٢٩
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ
٣٠
-السجدة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأَ زيد أو لم نهد بالنون والقراء كلهم على الياء وقد ذكرناه في سورة الأعراف وفي الشواذ قراءة ابن السميفع يمشون بضم الياء وتشديد الشين وإنهم منتظرون بفتح الظاء.
الحجة: قال ابن جني: دفع أبو حاتم فتح الظاء واستدل على ذلك بقوله
{ { فارتقب إنهم مرتقبون } [الدخان: 59] وقوله يُمَشّون للكثرة وقال:

يُمَشـــي بَيْنَنـــــا حانُـــوتُ كَـرْمٍ مِنَ الْخُرْصِ الصَّراصِرَةِ القِطاطِ

اللغة: يقال: هداه في الدين يهديه هدى وإلى طريق هداية واهتدى إذا قبل الهداية والواجب من الهدى هو ما يؤدّي إلى ما ليس للعبد عنه غنى في دينه فاللطف على هذا هدى والنظر المؤدّي إلى معرفة الله تعالى هدى. والسوق الحث على السير ساقه يسوقه. والجزر الأرض اليابسة التي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطار عنها واشتقاقه من قولهم سيف جزار أي قطاع لا يبقى شيئاً إلا قطعه وناقة جزار إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقي شيئاً إلا قطعته بفيها ورجل جروز أي أكول قال الراجز:

خَبٌّ جَرُوزُ وَإذا جاعَ بَكى

وفي الجرز أربع لغات بضم الجيم والراء وبفتحهما وبضم الجيم وإسكان الراء وفتح الجيم وإسكان الراء.
الإِعراب: فاعل يهدِ مضمر يدل عليه قوله { كم أهلكنا } وتقديره أو لم يهد لهم إهلاكنا من أهلكناه من القرون الخالية ولا يجوز أن يكون فاعله كم أهلكنا لأن ما قبل كم لا يجوز أن يعمل فيه إلا حروف الإضافة لأن كم على تقدير الاستفهام الذي له صدر الكلام فهو في محل النصب لأنه مفعول أهلك ويمشون في محل النصب على الحال.
المعنى: ثم نبَّه الله سبحانه خلقه على الاعتبار بمن تقدَّمهم من القرون فقال { أو لم يهدِ لهم } أي أو لم يبصرهم ويبين لهم { كم أهلكنا من قبلهم من القرون } الماضية جزاء على كفرهم بالله وارتكابهم لمعاصيه { يمشون في مساكنهم } ويرون آثارهم. وقيل: معناه أنا أهلكناهم بغتة وهم مشاغيل بنفوسهم يمشون في منازلهم { إن في ذلك لآيات } أي في إهلاكنا لهم دلالات واضحات على الحق { أفلا يسمعون } أي أفلا يسمع هؤلاء الكفار ما يوعظون به من المواعظ.
ثم نبَّههم سبحانه على وجه آخر فقال { أو لم يروا } أي أو لم يعلموا { أنا نسوق الماء } بالمطر والثلج. وقيل: بالأنهار والعيون { إلى الأرض الجرز } أي اليابسة التي لا نبات فيها. وقيل: نسوق الماء بالسيول إليها لأنها مواضع عالية وهي قرى بين الشام واليمن عن ابن عباس { فنخرج به زرعاً تأكل منه } أي من ذلك الزرع { أنعامهم وأنفسهم } والمعنى أن هذه الأرض تنبت ما يأكله الناس والأنعام { أفلا يبصرون } نعم الله تعالى عليهم.
{ ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين }. قال الفراء: المراد به فتح مكة. وقال السدي: الفتح هو القضاء بعذابهم في الدنيا وهو يوم بدر. وقال مجاهد: وهو الحكم بالثواب والعقاب يوم القيامة وكانوا يسمعون المسلمين يستفتحون الله عليهم فقالوا لهم متى هذا الفتح أي متى هذا الحكم فينا.
{ قل } يا محمد { يوم الفتح } يوم { لا ينفع الذين كفروا إيمانهم } بيَّن سبحانه أن يوم الفتح يكون يوم القيامة وذلك اليوم لا ينفع الكافرين إيمانهم { ولا هم ينظرون } أي لا يؤخَّر عنهم العذاب يعني الذين قتلوا يوم بدر لم ينفعهم إيمانهم بعد القتل { فأعرض عنهم } يا محمد فإنه لا ينجع فيهم الدعاء والوعظ وقيل { أعرض } عن أذاهم وانتظر حكم الله فيهم. قال ابن عباس: نسخت آية السيف { وانتظر } موعدي لك بالنصر على أعدائك { إنهم منتظرون } بك حوادث الزمان من موت أو قتل فيستريحون منك. وقيل: معناه أنهم سيأتيهم ما وعد الله فيهم فكأنهم ينتظرونه.