التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٤٦
قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٤٧
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
٤٨
قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ
٤٩
قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ
٥٠
-سبأ

مجمع البيان في تفسير القرآن

الإعراب: { أن تقوموا } في موضع جرّ على البدل من واحدة ويجوز أن يكون في موضع نصب بحذف حرف الجر وإفضاء الفعل إليه والتقدير أعظكم بطاعة الله لأن تقوموا أو أعظكم بأن تقوموا. { مثنى وفرادى } نصب على الحال. { ما سألتكم } ما شرطية وهي في محل النصب بأنها مفعول ثان لسألت ويجوز أن تكون موصولة فيكون التقدير ما سألتكموه فيكون مع الصلة في موضع رفع بالإبتداء. { علام الغيوب } يجوز أن يكون بدلاً من الضمير المستكن في يقذف ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو علام الغيوب ولو نصب على أنه نعت لربي لكان جائزاً لكن الرفع أجود لأنه جاء بعد تمام الكلام.
المعنى: ثم خاطب سبحانه النبي صلى الله عليه وسلم فقال { قل } يا محمد لهم { إنما أعظكم بواحدة } أي آمركم وأوصيكم بخصلة واحدة. وقيل: بكلمة واحدة وهي كلمة التوحيد. وقيل: بطاعة الله عن مجاهد ومن قال بالأول قال: إنه فسَّر الواحدة بما بعده فقال { أن تقوموا لله مثنى وفرادى } أي اثنين اثنين وواحداً واحداً { ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة } معناه أن يقوم الرجل منكم وحده أو مع غيره ثم تتساءلون هل جرَّبنا على محمد كذباً أو هل رأينا به جنة ففي ذلك دلالة على بطلان ما ذكرتم فيه وليس معنى القيام هنا القيام على الأرجل وإنما المراد به القصد للإصلاح والإقبال عليه مناظراً مع غيره ومتفكراً في نفسه لأن الحق إنما يتبين للإنسان بهما وقد تمَّ الكلام عند قوله { تتفكروا } وما للنفي قال قتادة: أي ليس بمحمد صلى الله عليه وسلم جنون وأن جعلت تمام الكلام آخر الآية فالمعنى ثم تتفكروا أيّ شيء بصاحبكم من الجنون أي هل رأيتم من منشأه إلى مبعثه وصمة تنافي النبوة من كذب أو ضعف في العقل أو اختلاف في القول والفعل فيدلّ ذلك على الجنون.
{ إن هو إلا نذير لكم } أي مخوّف من معاصي الله { بين يدي عذاب شديد } يعني عذاب القيامة.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم { قل } لهم يا محمد { ما سألتكم من أجر فهو لكم } يعني لا أسالكم على تبليغ الرسالة شيئاً من عرض الدنيا فتتهموني فما طلبته منكم من أجر على إداء الرسالة وبيان الشريعة فهو لكم وهذا كما يقول الرجل لمن لا يقبل نصحه ما أعطيتني من أجر فخذه وما لي في هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء ومنه النصح مجان. وقال الماوردي: معناه أن أجر ما دعوتكم إليه من إجابتي وذخره هو لكم دوني وهو المروي عن أبي جعفر (ع) { إن أجري إلا على الله } أي ليس ثواب عملي إلا على الله فهو يثيبني عليه ولا يضيعه { وهو على كل شيء شهيد } أي عليم به لم يغب عنه شيء فيعلم ما يلحقني من أذاكم.
{ قل } يا محمد { إن ربي يقذف بالحق } ويلقيه إلى أنبيائه عن قتادة ومقاتل { علام الغيوب } علم جميع الخفيات وما غاب عن خلقه في الأرضين والسنوات { قل } يا محمد { جاء الحق } وهو أمر الله تعالى بالإسلام والتوحيد. وقيل: هو الجهاد بالسيف عن ابن مسعود { وما يبدىء الباطل وما يعيد } أي ذهب الباطل ذهاباً لم يبق منه إبداء ولا إعادة ولا إقبال ولا إدبار لأن الحق إذا جاء لا يبقى للباطل بقية. وقيل: إن الباطل إبليس لا يبدىء الخلق ولا يعيدهم عن قتادة. وقيل: معناه ما يبدىء الباطل لأهله خيراً في الدنيا ولا يعيد خيراً في الآخرة عن الحسن. وقال الزجاج: ويجوز أن يكون ما استفهاماً في موضع نصب على معنى وأيّ شيء يبدىء الباطل وأيّ شيء يعيده. قال ابن مسعود: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعود في يده ويقول:
"جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد " .
{ قل إن ضللت } عن الحق كما تدعون { فإنما أضل على نفسي } أي فإنما يرجع وبال ضلالي عليَّ لأني مأخوذ به دون غيري { وإن اهتديت } إلى الحق { فبما يوحي إليَّ ربي } أي بفضل ربي حيث أوحى إليَّ فله المنة بذلك عليَّ دون خلقه { إنه سميع } لأقوالنا { قريب } منّا فلا يخفى عليه المحق والمبطل.