التفاسير

< >
عرض

وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
٦
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ
٧
أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ
٨
أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٩
-سبأ

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة والكسائي وخلف أن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط بالياء في الجميع والباقون كل ذلك بالنون وأدغم الكسائي وحده الفاء في الباء في يخسف بهم.
الحجة: قال أبو علي: حجة النون قوله
{ { ولقد آتينا داود } [سبأ: 10] و [النمل: 15] فالنون أشبه بآتينا وحجة الياء قوله { أفترى على الله كذباً } فحمل على اسم الله تعالى قال: وإدغام الفاء في الباء لا يجوز لأن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا وانحدر الصوت به إلى الفم حتى اتصل بمخرج الثاء حتى جاء مثل الجدث والجدف والمغاثير والمغافير فتعاقبا للمقاربة بينهما فلما اتصلت بمخرج الثاء صارت بمنزلة حرف من تلك الحروف فلم يجز إدغامها في الباء لأنه إذا اتصل بما ذكرنا صار كحرف من ذلك الموضع فكما أن ذلك الحرف الذي اتصل بالفاء لا يدغم في الباء كذلك الفاء لا يدغم في الباء وكذلك لا يجوز أن يدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها المتصل بحرف من حروف الفم.
الإعراب: ويرى يحتمل أن يكون منصوباً عطفاً على ليجزي ويحتمل أن يكون مرفوعاً على الاستئناف والذي أنزل إليك في موضع نصب لأنه مفعول يرى وهو فصل والحق مفعول ثان ليرى وقوله { إذا مزقتم }. قال الزجاج: إذا في موضع نصب بمزقتم ولا يجوز أن يعمل فيها جديد لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها والتأويل هل ندلكم على رجل يقول لكم إذا مزقتم تبعثون ويكون إذا بمنزلة أن الجزاء يعمل فيها الذي يليها قال قيس بن الخطيم:

إذا قَصُرَتْ أسْيافُنا كانَ وَصْلُها خِطــانا إلـى أعْدَائِنا فَنُضارِبِ

والمعنى: يكن وصلها والدليل عليه جزم فنضارب ويجوز أن يكون العامل في إذا مضمراً يدل عليه أنكم لفي خلق جديد ويكون المعنى هل ندلكم على رجل يقول لكم إذا مزقتم بعثتم. قال أبو علي: إن جعل موضع إذا نصباً بمزقتم لزم أن يحكم على موضعه بالجزم لأن إذا هذه لا يجوز أن ينتصب به حتى يقدر جزم الفعل الذي هو الشرط بها والجزم بها لا يسوغ أن يحمل عليه الكتاب لأن ذلك إنما يكون في ضرورة الشعر فإن حمل موضع إذا على أنه نصب والفعل غير مقدر في موضعه الجزم لم يجز لأنه إذا لم يجازَ بها أضيفت إلى الفعل والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله وموضع الفعل الواقع بعد إذا خفض فلما لم يجز زيداً غلام ضارب عندك تريد غلام ضارب زيداً عندك.
فكذلك لا يجوز أن يكون موضع إذا نصباً بمزقتم فالتقدير ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق بعثتم أو نشرتم أو ما أشبه ذلك من الأفعال التي يكون قوله { انكم لفي خلق جديد } دالاًّ عليه ومفسّراً له وإن قدرّ هذا الفعل قبل إذا كان سائغاً فيكون التقدير ينبئكم فيقول لكم تبعثون إذا مزقتم كل ممزق ويكون جواب إذا على هذا التقدير مضمراً كأنه تبعثون إذا مزقتم كل ممزق بعثتم فيستغنى إذاً عن إظهار الجواب إذا تقدَّمها ما يدل عليه نحو أنت ظالم إن فعلت وكذلك يحذف الشرط لدلالة الجزاء عليه إذا وقع بعد كلام غير واجب نحو الأمر والاستفهام وما أشبه ذلك فافهم ذلك فإنه فصل جليل الموقع في النحو استخرجته من كلام أبي علي { أفترى } أصله افترى دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل فأسقطتها.
المعنى: ثم ذكر سبحانه المؤمنين واعترافهم بما جحده من تقدَّم ذكرهم من الكافرين فقال { ويرى الذين أوتوا العلم } أي ويعلم الذين أعطوا المعرفة بوحدانية الله تعالى وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن قتادة. وقيل: هم المؤمنون من أهل الكتاب عن الضحاك. وقيل: هم كل من أوتي العلم بالدين وهذا أولى لعمومه { الذي أنزل إليك من ربك } يعني القرآن { هو الحق } أي يعلمونه الحق لأنهم يتدبَّرونه ويتفكرون فيه فيعلمون بالنظر والاستدلال أنه ليس من قبل البشر فهؤلاء لطف الله سبحانه لهم بما أداهم إلى العلم فكأنه سبحانه قد آتاهم العلم وقوله.
{ ويهدي } أي ويعلمون أنه يهدي إلى القرآن ويرشد { إلى صراط العزيز الحميد } أي دين القادر الذي لا يغالب المحمود على جميع أفعاله وهو الله تعالى وفي هذه الآية دالة على فضيلة العلم وشرف العلماء وعظم أقدارهم.
ثم عاد سبحانه إلى الحكاية عن الكفار فقال { وقال الذين كفروا } أي بعضهم لبعض أو القادة للأتباع على وجه الاستبعاد والتعجب { هل ندلكم على رجل } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم { ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد } أي يزعم أنكم تبعثون بعد أن تكونوا عظاماً ورفاتاً وتراباً وهو قوله { إذا مزقتم كل ممزق } أي فرّقتم كل تفريق وقطعتم كل تقطيع وأكلتكم الأرض والسباع والطيور والجديد المستأنف المعاد والمعنى أنكم يجدّد خلقكم بأن تنشروا وتبعثوا.
{ أفترى على الله كذباً } معناه هل كذب على الله متعمداً حين زعم أنا نبعث بعد الموت وهو استفهام تعجب وإنكار { أم به جنة } أي جنون فهو يتكلم بما لا يعلم.
ثم ردَّ سبحانه عليهم قولهم فقال { بل } ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء والجنون { الذين لا يؤمنون بالآخرة } أي هؤلاء الذين لا يصدّقون بالبعث والجزاء والثواب والعقاب { في العذاب } في الآخرة { والضلال البعيد } من الحق في الدنيا.
ثم وعظهم سبحانه ليعتبروا فقال { أفلم يروا } أي أفلم ينظر هؤلاء الكفار { إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض } كيف أحاطت بهم وذلك أنَ الإنسان حيث ما نظر رأى السماء والأرض قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يقدر على الخروج منها. وقيل: معناه أفلم يتدبروا ويتفكروا في السماء والأرض فيستدلّوا بذلك على قدرة الله تعالى.
ثم ذكر سبحانه قدرته على إهلاكهم فقال { إن نشأ نخسف بهم الأرض } كما خسفنا بقارون { أو نسقط عليهم كسفاً من السماء } أي قطعة من السماء تغطّيهم وتهلكهم { إن في ذلك لآية } معناه أن فيما ترون من السماء والأرض لدلالة على قدرة الله على البعث وعلى ما يشاء من الخسف بهم { لكل عبد منيب } أناب إلى الله ورجع الى طاعته أفلا يرتدع هؤلاء عن التكذيب بآيات الله والإنكار لقدرته على البعث.