التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ
٣١
وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ
٣٢
وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ
٣٣
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ
٣٤
لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ
٣٥
-يس

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ عاصم وحمزة وابن عامر لمّا جميع بتشديد الميم والباقون بالتخفيف وقرأ أهل الكوفة غير حفص وما عملت بغير هاء والباقون وما عملته.
الحجة: من خفف الميم من لما فإن من قوله وإنْ كُلٌّ مخففة من الثقيلة وما من لما مزيدة والتقدير وأنه كل لجميع لدينا محضرون ومن شدَّد الميم من لمّا فإن ها هنا بمعنى ألا يقال سألتك لما فعلت كذا وإلا فعلت وأن نافية فيكون التقدير ما كل إلا محضرون وقوله { وما عملت أيديهم } فإن الحذف في التنزيل من هذا كثير نحو قوله
{ وسلام على عباده الذين اصطفى } [النمل: 59] و { { أهذا الذي بعث الله رسولاً } [الفرقان: 41] وموضع ما جرّ والتقدير وليأكلوا مما عملته أيديهم ويجوز أن يكون ما نافية أي ولم تعمله أيديهم ويقوّي ذلك قوله { ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } [الواقعة: 64].
الإعراب: أنهم إليهم لا يرجعون بدل من كم أهلكنا والتقدير { ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون } وكم في موضع بأهلكنا.
المعنى: ثم خوَّف سبحانه كفار مكة فقال { ألم يروا } أي ألم يعلم هؤلاء الكفار { كم أهلكنا قبلهم من القرون } أي كم قرناً أهلكناهم مثل عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم { أنهم إليهم لا يرجعون } والمعنى ألم يروا أن القرون التي أهلكناهم لا يرجعون إليهم أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون بهم ووجه التذكير بكثرة المهلكين أي أنكم ستصيرون إلى مثل حالهم فانظروا لأنفسكم واحذروا أن يأتيكم الهلاك وأنتم في غفلة وغرة كما أتاهم ويسمى أهل كل عصر قرناً لإقترانهم في الوجود.
{ وإن كل لما جميع لدينا محضرون } معناه أن الأمم يوم القيامة يحضرون فيقفون على ما عملوه في الدنيا أي وكل الماضين والباقين مبعوثون للحساب والجزاء.
ثم قال سبحانه { وآية لهم } أي ودلالة وحجة قاطعة لهم على قدرتنا على البعث { الأرض الميتة أحييناها } أي الأرض القحطة المجدبة التي لا تنبت أحييناها بالنبات { وأخرجنا منها حباً } أي كل حبّ يتقوتونه مثل الحنطة والشعير والأرز وغيرها من الحبوب { فمنه يأكلون } أي فمن الحب يأكلون.
{ وجعلنا فيها جنات } أي بساتين { من نخيل وأعناب } وإنما خصَّ النوعين لكثرة أنواعهما ومنافعهما { وفجّرنا فيها من العيون } أي وفجَّرنا في تلك الأرض الميتة أو في تلك الجنات عيوناً من الماء ليسقوا بها الكرم والنخيل.
ثم بيَّن سبحانه أنه إنما فعل ذلك { ليأكلوا من ثمره } أي من ثمر النخيل ردَّ الضمير إلى أحد المذكورين كما قال
{ { ولا ينفقونها في سبيل الله } [التوبة: 34] والمعنى غرضنا نفعهم بذلك وانتفاعهم بأكل ثمار الجنات { وما عملته أيديهم } أي ولم تعمل تلك الثمار أيديهم هذا إذا كان ما بمعنى النفي قال الضحاك أي وجدوها معمولة ولا صنع لهم فيها أراد أنه من صنع الخالق ولم يدخل في مقدورات الخلائق وإذا كان بمعنى الذي فالتقدير والذي عملته أيديهم من أنواع الأشياء المتخذة من النخل والعنب الكثيرة منافعها. وقيل: تقديره ومن ثمره ما عملته أيديهم يعني الغروس والزروع التي قاسوا حراثتها { أفلا يشكرون } أي ألا يشكرون الله تعالى على مثل هذه النعم وهذا تنبيه منه سبحانه لخلقه على شكر نعمائه وذكر جميل بلائه.